الحفاوة المبالغ بها بالأمير أو الملك السابق أحمد فؤاد فى زيارته الأخيرة للقاهرة تثير الكثير من التساؤلات، خاصة وأنها اتخذت شكلا شبه رسمى، وقبولا من قيادات كبيرة فى الدولة.
وليس اجتماع أحمد فؤاد فى جريدة الأهرام الحكومية بقيادات الجريدة والحوار الذى أجراه رئيس مجلس ادارتها د.عبدالمنعم سعيد مع الأمير سوى مؤشر آخر على رضا النظام عن الاحتفاء الإعلامى غير المسبوق برموز أسرة محمد على التى حكمت مصر لعقود طويلة، وانتهى حكمها بقيام ثورة يوليو وطرد آخر ملوكها من مصر وتنازله عن العرش لابنه الذى كان طفلا وقتها، وعاد إلى الصورة من جديد بعد أن تجاوز الستينات من العمر، بعد أن كنا لا نسمع عنه سوى خلافاته مع زوجته الفرنسية التى نغصت عليه حياته وفضحته فى المحاكم وسلبت منه – بالطلاق - ما تبقى له من أموال.
والحقيقة أن الحفاوة بوريث العرش المطرود هو ووالده من مصر لم يقتصر على الأمير أحمد فؤاد، ولكن ينطبق على العصر كله فى شكل حنين جارف لأيام الملكية، وكلنا يذكر الضجة التى صاحبت عرض مسلسل "الملك فاروق" الذى كتبته د.لميس جابر، وقام ببطولته الممثل السورى تيم الحسن، وما قيل عن أنه نوع من إعادة الاعتبار للأسرة العلوية، والملك المظلوم الذى كانوا يحذفون صورته من خلفية مشاهد الأفلام القديمة ويتهمونه فى كتبهم وصحفهم بالفساد واللهو والعربدة، ثم أصبحوا يترحمون فجأة على أيامه وعلى الاقتصاد الذى كان أقوى فى عصره، والجنيه المصرى الذى كان يساوى فى قيمته جنيها من الذهب، والحيوية السياسية والديمقراطية والأحزاب والمعارك الأدبية ورموز الفكر والفن والثقافة.
وهذا الحنين لعصر تعمدوا أن يهيلوا عليه التراب ووصموه بالسوء والفساد، وكأن مصر لم تقم ولم تكن قبل حركة الضباط فى يوليو، هذا الحنين قد يكون مفهوما على المستوى الشعبى بسبب معاناة الناس من الفقر والظروف الاقتصادية الصعبة والقهر السياسى وسيطرة حزب المتسلقين والمنتفعين على كل شىء فى هذا البلد، ويأس الكثيرين من التقدم والتغيير والإصلاح، أما غير الطبيعى أو غير المفهوم بالفعل فهو هذه الحفاوة الرسمية بالملك أو الأمير السابق- لا فرق - حتى فى ظل الحجج غير المقنعة من جانب بعض الأقلام الحكومية فى تبرير هذا السلوك من جانب النظام المصرى بأنه يأتى فى إطار المصالحة الوطنية مع كل الرموز التى حكمت مصر والاعتراف بأفضال الأسرة العلوية ومؤسسها محمد على باعث نهضتها الحديثة.
ولذلك فأنا أميل أكثر لوجهة نظر أصحاب نظرية المؤامرة الذين يرون فى الاستقبال الحافل للأمير أحمد فؤاد تمهيدا ً للتوريث وجزءا من مخطط نقل السلطة إلى مبارك الإبن،ويزيد من منطقية هذا الطرح الغموض الشديد الذى يخيم على الحياة السياسية فى مصر قبل أقل من عام ونصف على الانتخابات الرئاسية فى نوفمبر 2011 ، والتى لم يحسم النظام والحزب الحاكم حتى الآن ما إذا كانت سترسو على إعادة ترشيح الرئيس الأب لفترة ولاية سادسة أم إفساح الطريق للرئيس الإبن من خلال انتخابات صورية يرشحه فيها الحزب الحاكم أمام مرشحين وهميين كما جرى - مع الأب - فى انتخابات 2005، خاصة أنه لا يبدو فى الأفق السياسى أى استعداد أو مؤشر للإستجابة لنداءات المعارضة بتعديل المادة 76 من الدستور بحيث تتيح الفرصة لمرشحين أقوياء مثل محمد البرادعى وعمرو موسى وغيرهما لخوض غمار انتخابات الرئاسة وإتاحة الفرصة لأول مرة فى تاريخ الجمهورية المصرية لتداول حقيقى للسلطة.
وإذا كان التكهن بمستقبل السلطة فى مصر لايزال غامضاً، وإذا كانت تحليلات الخبراء السياسيين لاتزال تدخل فى إطار ما يسميه المفكر الكبير السيد ياسين بالميتافيزيقا السياسية أو علم ما وراء الطبيعة فى السياسة بسبب التردد أو التعتيم المقصود من جانب النظام والحزب على اسم مرشحه للرئاسة ، وإذا كان الحنين إلى الملكية وحكم الأسرة العلوية قد بلغ هذا الحد من التباكى على الماضى الجميل، وإذا كانوا لايزالون يصرون ويحاورون ويداورون حول مبدأ التوريث، فلماذا لا يعيدون الحق إلى أصحابه ويعيدون إلى أحمد فؤاد حقه الضائع وعرشه المسروق ويعيدون الملكية إلى مصر بدلاً من النظام الجديد الذى يحاولون اختراعه، والترويج له، والذى لا هو ملكية ولا هو جمهورية!
نائب رئيس تحرير مجلة أكتوبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة