فى عام 1784 ميلادية ولدت فى عقل بنيامين فرانكلين فكرة نظام التوقيت الصيفى، عندما كان سفيراً للولايات المتحدة الأمريكية لدى فرنسا.
ربما لأنه رأى ولع الباريسون لأنوار الشموع الفارطة كالنهار، وربما لكونه صاحب المثل الشهير، والذى يقول: "النوم أو الذهاب للفراش مبكراً والنهوض منه مبكراً يجعل الإنسان صحيح البدن سليماً معافى، وثرياً، وحكيماً".
ولكن هذه الفكرة بقيت فى مكانها تتوهج أحياناً وتخفت أحياناً أخرى، وبعد مضى حوالى 132 سنة.
اقتنعت ألمانيا بها، ونفذتها أثناء الحرب العالمية الأولى، ومع أن التوقيت الصيفى هو تغيير التوقيت الرسمى فى الدولة لمدة عدة أشهر من كل سنة، بزيادة ساعة لتبكير أوقات الشغل والفعليات العامة الأخرى، لكى يتم أكثر منها أثناء ساعات النهار التى تزداد تدريجياً من بداية الربيع حتى ذروة الصيف، ومع أن عالمنا الشرقى كان أحق بتطبيقه، لكوننا نحتكر الشمس الساطعة أغلب أيام السنة، مع ذلك تأخرنا طويلاً، بل وعندما طبقته مصر للمرة الأولى إبان الحرب العالمية الثانية من منتصف أبريل إلى منتصف سبتمبر فى عام 1941 وحتى انتهاء الحرب، بدأت حرب من نوع آخر ضده، فقد ألغى مراراً وتكراراً وأعيد العمل به أكثر من مرة، دون أن يشرح أحد للناس: "لماذا"؟
ومع أن الحديث عن التوقيت الصيفى يبدو نوعاً من الترف الفكرى، كتعبير مهذب عن الهرب من مناقشة قضايا حياتية ضاغطة، لكن لا بد من تقييم تطبيق أنجزناه، لنكتشف أننا لم نفلح فى الاستفادة منه، فالأنوار تضاء بإهمال فى كل الأماكن الحكومية فى وضح النهار، وأجهزة التكييف لا تزال تسخر من أصحاب القرار.
الشىء الوحيد الذى نحصل عليه، لكى نكون منصفين، هو أننا نذهب إلى أشغالنا وأعمالنا ونعود منها قبل أن تشتعل الشمس، وإن كان التوقيت الصيفى منحنا مظلته من عين الشمس الحامية لمدة ساعة من الزمن، غير أنه أشعل فى فكرنا أكثر من نزاع، فكعادة شرقنا المتدين وغير المستنير، ادّعى البعض أن تقديم الساعة ساعة "حرام"، معتبرين أن ذلك يعد تلاعباً فى الزمن كما أوجده الله، وهذه نكتة سخيفة، لأن تقديم الساعة أو تأخيرها لن يغير من السنن الكونية فى شىء، وإلا أصبح المُعلّم الذى يُعلّم أولادنا قراءة الساعة على ساعة الحائط بالمدرسة من المبتدعين الكافرين.
كما أثار فى أيامنا هذه لغطاً آخر، على خلفية نيّة الحكومة منح التوقيت الصيفى إجازة قصيرة طوال شهر رمضان ويعود إلى مواصلة عمله مع بداية عيد الفطر المبارك، ثم يعود بعد ذلك إلى بياته الشتوى فى أول أكتوبر، ويبدو أننا استمرأنا اللعب بعقربى الساعة دون خوف أو وجل، كونهما ليسا من عقارب الصحراء اللاهبة، وليسا لديهما خاصية الأذية والموت.
لكن تبقى ممارسة تحريك العقارب، بالنسبة لى على الأقل، شيئا مملا ومضيعة للوقت، إذ يتوجب على تقديم أو تأخير عقارب الساعة لأكثر من ساعة حائط فى بيتى، مع ساعة اليد، وساعة المنبه، وساعة المقلمة، وساعة المحمول، أضف إلى ذلك ساعات أخرى كساعة التلفاز، والريسفير، والفيديو.
فلماذا لا نوفر على أنفسنا مثل هذه الأمور الباطلة، بأن نبقى الساعة كما هى دون تقديم أو تأخير؟
وإن كان ولابد من الاستفادة من النهار الأطول فى الصيف، فما علينا سوى تعديل المواعيد، فنعلن للموظفين أن مواعيد العمل تبدأ من الساعة السابعة صباحاً بدلاً من الساعة الثامنة، وتنتهى الساعة الواحدة بعد الظهر بدلاً من الثانية بعد الظهر، وعلى هذا المنوال تحرك كل الجهات المعنية مواعيدها بالتبكير ساعة أو أكثر.
فإن فعلنا ذلك، نكون قد أرحنا أنفسنا، وحافظنا على وقتنا، وعلى سلامة ساعاتنا، ورحمنا العم بنيامين فرانكلين وشركاه من العتاب القاسى.
