تمخضت المعارضة فولدت "لجان تلو لجان"، وجبهات واجتماعات أقل ما يقال عنها إنها "طق حنك"، كما تقول أمثال أهل الشام، هذا ما كشفت عنه نتائج الاجتماع الذى دعا إليه المرشد العام للإخوان الأسبوع الماضى باسم "من أجل مصر"، فبدلا من أن يكون أمر المعارضة عملا بالقول "تعالوا إلى كلمة سواء"، إلا أن النهاية هى تعميق انقسامات المعارضة أكثر فأكثر وإضاعة فرص التغيير الحقيقى.
الكثير ممن حضروا الاجتماع خرجوا بنتيجة واحدة، وهى أن الإخوان أرادوا من القوى السياسية والأحزاب الشرعية خاصة الكبيرة منها التى شاركت فى الاجتماع مباركة ومبايعة مرشدها على قرار المشاركة فى الانتخابات، بل وأن يكون الموقف النهائى هو طلقة الإعدام للجمعية الوطنية للتغيير، بل وسحب المعارضة على أرضية الجماعة، وأكثر من ذلك خرج البعض ممن حضروا جزء من الاجتماع ورفضوا إتمامه كدكتور يحيى الجمل أن اختيار الحضور تم على أساس المزاج الشخصى، بل وعلى خلفية موقف الإخوان من القوى الأخرى مثلما الحال من الوسط واستبعاده وكذلك تجاهل بعض الأحزاب حتى وإن كان توصيفها بأنها صغيرة أو ديكورية.
دعوة المرشد جاءت بعد أيام فقط من إعلان د.سيد البدوى رئيس حزب الوفد عن تشكيل جبهة قد لا يكون الإخوان جزءً منها لوضع ضوابط لضمان نزاهة الانتخابات، وبعد أسابيع قليلة من تفعيل الإخوان تحركاتهم فى الجمعية الوطنية، مما يدفع للتساؤل عن مصير هذه التجمعات وهل الوقت مناسب للدخول فى مثل هذه الائتلافات فى وقت الانتخابات لم يبق عليها أقل من 3 أشهر؟، فكانت النتيجة هى" دردشة سياسية " كما وصفها المراقبون، بل وتشكيل لجان لدراسة الوضع وكأن الوضع لا زال يحتاج لدراسة وليس قرار جمعى.
الإخوان كانوا أذكى من الجميع رغم حالة اتجاه الغالبية لمقاطعة الانتخابات البرلمانية المقبلة فأعلنوا شرطهم للمقاطعة الإجماع، وهو ما اعتبره عبد الحليم قنديل منسق كفاية بأنها فكرة خرافية، وهو ما يكشف أن الإخوان وكثير من القوى السياسية التى تتحدث باسم المعارضة وباسم التغيير لا تمتلك إرادة حقيقية نحو التغيير، بدليل أن الإخوان حسموا موقفهم فعلا هم والتجمع والوفد من المشاركة فى الانتخابات ولم يبق لهم إلا وضع اللمسات النهائية لذلك، وكل ما يريدونه مخرجا لهذه المشاركة، واجتماع الثلاثاء الماضى بداية البحث عن هذا المخرج.
فالإخوان وبعض الأحزاب تتحرك وعين على النظام لتوصيل رسائل فى انتظار جنى المكاسب، وعين على المصلحة الشخصية، وهو ما يثبت فى النهاية أن هناك من يسعى باسم المعارضة تعطيل الإصلاح ووئد أفكار التغيير تحت عناوين براقة مثل" تزوير النظام، وفساد الحزب الوطنى والاستبداد"، فى حين أن هؤلاء لا يبحثون إلا عمن يكون الزعيم ويقود حتى لو كان ذلك على حساب تعطيل عجلة الإصلاح.
الغريب فى الأمر أن من اجتمعوا على شرف دعوة مرشد الإخوان وعددهم يزيد عن 35 شخصية أغلبهم أفراد لا يمثلون إلا أنفسهم فقط وكذلك لم يوجد أى تمثيل حقيقى للأحزاب الكبيرة ذات الثقل على الأقل التاريخى فى المعارضة كالوفد والناصرى والتجمع، مما يطرح سؤالا "طالما أن المعارضة تدرك أنها أمام مرحلة فاصلة فى تاريخ مصر"، فلماذا لا يجتمع رؤساء أحزاب الوفد والتجمع والناصرى والجبهة ومرشد الإخوان، وكل من له تواجد فى وضع برنامج وطنى حقيقى يجمع الجميع بدون إقصاء أو تهميش لأحد؟، لكن وإن كان الأمر يتعلق بزعامات وبتوجيه بوصلة المعارضة حسب الأهواء والمصالح الحزبية فالأمر يحتاج فرزا ويؤكد فشل العمل الجبهوى بين القوى السياسية ووهم أن الجمعية الوطنية للتغيير هى الإطار الشامل والجامع للمعارضة.
د.حسن نافعة المنسق العام للجمعية الوطنية للتغيير اعتبر أن جمعية التغيير مستعدة للقاء أى من القوى السياسية بهدف التوحد لحسم الموقف من الانتخابات القادمة إما المقاطعة أو خوضها معا، مشيرا إلى أن الأهم هو الوصول لنتيجة وتفعيل باعتبار أنهم يشتركون فى جميع الحركات.
فيما أكد الدكتور السيد البدوى رئيس حزب الوفد قائلا "اإنه حان الأوان أن يعتمد حزب الوفد على نفسه لتحقيق إصلاح حقيقى دون غلق ذراعية للجميع أمام كل القوى السياسية"، مضيفا أن ما يجرى الآن داخل الحياة السياسية هى مرحلة مخاض سياسية سوف يفرز عنها شيئا كبيرا قد يكون "الوفد "-على حد قوله.
واستشهد البدوى فى تصريحه على رغبة الوفد فى التحر والاعتماد على نفسه إلى وجود أكثر من 24 حزبا دون أى تأثير على الحياة السياسية، دون إخراج الوفد من تلك الحسابات.
وأضاف البدوى أن الفترة القادمة سيبقى تأثير الوفد فى الحياة السياسية كبيرا، دون رفض التعاون أو التحاور مع أى من القوى السياسية.
سامح عاشور نائب أول رئيس الحزب الناصرى أكد أنه غير متفائل بما يدور الآن داخل الأروقة السياسية، مرجعا ذلك إلى رغبة كل حزب أن يأتى بكل القوى على أرضية حزبه حتى يكون هو أمام الجميع صاحب الكلمة فى التوحد، بالإضافة إلى ضيق المساحة أمام الأحزاب للممارسة الديمقراطية، ووصف عاشور كثرة الجبهات والحركات التى تدعو إلى التوحد أو التنسيق السياسى بأنها نوع من "التمايع السياسى" لحملها معانٍ ومصطلحات مخالفة لمضمونها.
د. أسامة الغزالى رئيس حزب الجبهة الديمقراطية يرى أن قصر الوقت المتاح أمامهم من أجل التوحد قد يكون وسيلة الضغط على تلك القوى من أجل التوحد رغم ما تظهر عليه الآن، مرجعا ذلك إلى حدوث حوار ديمقراطى غير معتاد حدوثه، مرجعا عدم إحداث أى تغيير الفترة الماضية من خلال تحركات المعارضة إلى الاختلافات سواء الموجودة فى داخلها أو الموجودة بين تلك القوى بعضها البعض.
د. عبد الحليم قنديل المنسق العام لحركة كفاية حذر من النزعة السائدة والإفراط فى تشكيل اللجان والائتلافات التى ستؤدى لتحلل داخل المعارضة أكثر منها تحالفات بناءة، موضحا أن "كفاية" امتنعت عن وضع اسمها فى أى لجان لأنها ترغب فى لجنة واحدة تتمثل فى العمل الميدانى، خاصة أن المعارضة "بتلف وتدور حول نفسها".
قنديل اتهم الأحزاب الرسمية بأنها سبب إفشال أى موقف موحد للمعارضة، لأن البعض يبدو كأنه يسلك مسلك النظام، بجانب الموقف المتردد للإخوان من "المقاطعة" وأشياء أخرى، مضيفا أنه لا يوجد اتفاق حقيقى قد يوصل لشىء، محذرا من أن ينعكس ذلك بإحباط عام إذا خاضت قوى المعارضة الانتخابات على قوائم موحدة 2010 بعدما تتحول من "خاضوا معا.. وسقطوا معا".
أحمد بهاء شعبان عضو اللجنة التنسيقية لحركة كفاية أكد أن غالبية القوى السياسية ترفض المشاركة فى الانتخابات، باعتبار أن الانتخابات تضفى شرعية للنظام وتعد جريمة فى حق الشعب ومساعدة على التزييف والتزوير، مضيفا أن هناك من حسموا أمرهم ومنهم الإخوان والوفد والتجمع للمشاركة بما يعنى أنهم يتحملوا نتيجة رغبتهم والمسئولية المباشرة، قائلا" على المدى القريب متشائم فلا يوجد تغير حقيقى، لكن على المدى الطويل لابد أن هناك تغييرا"، واصفا الفترة الحالية بأنها حالة للفرز التاريخى التى تكشف من له ضمير وطنى ممن لا يفكر إلا فى حزبه وشخصه.
ضياء رشوان الباحث فى شئون الحركات السياسية كان مدعوا للاجتماع واعتذر معتبرا أن الاجتماع لم يخرج نتائج لعدم تحديد جدول أعمال واضح، فمجرد الجلوس معا بين القوى الوطنية جيد لكنه ليس كافيا ولابد أن تكون هناك انطلاقة أسرع، وكذلك اللجان ليست سيئة فى حد ذاتها، لكنها لا تحل محل العمل الأساسى خاصة وأن الانتخابات يبقى عليها ثلاث أشهر فقط فلا يمكن مناقشة أى قضية أخرى غير الانتخابات حاليا باعتبار أن القضايا الأخرى ستترتب على نتائج الانتخابات.
وطالب رشوان أن يقود حزب مدنى له تواجد الأحزاب والقوى الأخرى لوضع مطالب محددة بعيدة عن التعديلات الدستورية ومشروعات القوانين التى لن تتم إلا فى وجود مجلس الشعب، معتبرا الحديث عن الإجماع كشرط للمقاطعة شرط تعجيزى لا يمكن تحقيقه، موضحا أن الموقف الصحيح كان الإعلان عن المشاركة بشرط تحقيق الضمانات، وهنا يكون الاختبار للمعارضة تنسيق المشترك الذى قد يصل بآمال الكثيرين إلى المشاركة بقائمة موحدة للمعارضة وهنا تكون الكرة انتقلت فى ملعب الحكومة وتحافظ المعارضة على مصداقيتها فى الشارع وتزيد من قوة تأثيرها.
عمرو الشوبكى الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية وصف اللقاءات الأخيرة للمعارضة بأنها "جلسة دردشة سياسية" فى وقت لا يقبل ذلك، معتبرا أن الأمر خرج بدون آلية لعمل مشترك ولا ينتظر أن يسفر عنها أى مشروع سياسى مشترك أو عمل جبهوى حقيقى، مدللا على أن الخلاف بين الإخوان والوسط رغم أنهم على أرضية فكرية واحدة يكشف فشل التوحد، مما يعنى حسب الشوبكى أن النظام سيظل هو الطرف الأقوى ولن تستطيع المعارضة فرض أجندتها وأن القادم بعد الرئيس مبارك سيكون من داخل النظام ولن تكون الجمعية الوطنية ولا الإخوان لهم يد فى ذلك.
رفعت سيد أحمد مدير مركز يافا للدراسات الذى حضر نصف وقائع الاجتماع وخرج دون أن يكمل لما قال إنه كلام تقليدى مكرر من عشرين عاما دون وجود فكرة، ورؤى جديدة تناسب الوضع الحالى، واصفا الاجتماع بأنه جمع لقوى افتراضية للمعارضة ليس لها وجود فى الشارع وقوى حقيقية هى الإخوان والوفد، بما يعنى أنه اجترار للماضى ودوران فى ذات المربع، واصفا البيان الذى خرج عن الاجتماع بأنه ضيف جد بما فى ذلك اللجان التى الإعلان عنها تعبر عن هروب إلى الأمام دون وضع برنامج وطنى حقيقى للتغيير، ذلك فى ظل حرص الجميع على التوازنات أكثر من حرصها على مصر، مضيفا أن الأزمة الأكبر هو عدم الربط بين ما يحدث فى الداخل بالقضايا الخارجية خاصة وأن بعض ممن حضروا الاجتماع استقبلوا السفيرة الأمريكية ولا يبقى لهم إلا أن يعلنوا عن موعد لاستقبال السفير الإسرائيلى، ففى النهاية الاجتماع كما يراه السيد يعمق ضعف المعارضة ويزيد من تسلط النظام ويزيد من فترة بقائه.
أبو العلا ماضى وكيل مؤسسى حزب الوسط استغرب من الدعوة التى وجهها المرشد للاجتماع، قائلا "هناك عدة تساؤلات لابد من الإجابة عليها أولا هى، هل اللقاء كان خاص بالإخوان أم بالقوى الوطنية وإذا كان من أجل إجماع وتعاون القوى الوطنية فلماذا لم يكن تحت راية الجمعية الوطنية للتغيير؟، وهل هو اجتماع عارض لمرة واحدة أم أنه تشكيل منتظم؟، وهل هو تجمع موازى أم بديل للجمعية؟، واصفا الأمر بأنه مشاركة عملية من الإخوان وبعض القوى لتعقيد تحركات المعارضة وتأخير الإصلاح فى ظل ظهور مصالح حزبية ضيقة تسيطر على هذه اللقاءات، مؤكدا أن القوى الحالية لا تستطيع فرض من هو الرئيس القادم، لكن لابد من التفكير فى كيفية الضغط لتحسين شروط العمل وتحسين المناخ الذى لن يتم إلا عندما يرى النظام المعارضة موحدة فعليا، وقادرة على فرض رأيها انطلاقا من مصلحة الوطن وليس مصالحها الضيقة.
بعد اجتماع المرشد مع قوى المعارضة..
مرشد الإخوان يفكر فى ترويض المعارضة واختيار المتحالفين معه .. "البدوى" يرى المستقبل فى يد الوفد.. و"عاشور" متشائم.. و "الغزالى حرب" الخلافات الداخلية والأيديولوجية تمنع الاتفاق
الثلاثاء، 27 يوليو 2010 09:03 ص