إن أعجب شىء يمكن أن تراه هو منظر شاب مصرى مسلم يطيل شعره ويضفره، بحجة أنه يقتدى بالرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا إن دل على شىء فإنما يدل على عدم فهم للدين، فالتأسى بالنبى صلى الله عليه وسلم لا يكون بطول الشعر أو قصره أو شكله ولونه أو ماذا كان يرتدى ؟ أو ماذا كان يأكل ؟ ....إلخ. ولكن التأسى به يكون باتباع سنته ومنهجه فى الدعوة والأخذ بجوهر الدين وليس قشوره، إننا إن فعلنا ذلك نكون كمن يأكل قشر البرتقال ويدع قلبه ولبه ، وليس هذا مقصد الإسلام على الإطلاق فإنما جاء الإسلام ليتمم مكارم الأخلاق ويدعونا إلى عبادة الله الواحد ولم يأتِ ليفرض علينا تسريحة شعر النبى أو طعامه أو شرابه. والله تعالى لن يسألنا عندما نقف بين يديه يوم القيامة لماذا لم نضفر شعرنا مثل الرسول صلى الله عليه وسلم؟ ولكن سيسألنا لماذا لم نتبع سنة الرسول؟
إذا فكرنا بهذا المنطق فعلينا إذن أن نركب الدابة بدلاً من السيارة ، فعلى كل شاب أن يضع فى جراج عمارته جملا أو حصانا ليذهب به كل يوم إلى عمله تأسيًا بالنبى صلى الله عليه وسلم ، وألا نستعمل الثلاجة لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يستعملها ، وألا نستعمل المصباح الكهربائى ونعيش على ضوء الشموع تأسيًا بالنبى. فهل هذا يعقل ؟ كان الرسول شعره مرسلا إذا مشطه بيده يمتشط ، يصل شعره إلى شحمة أذنيه من الجانبين ، وإلى كتفه من الخلف ، يفرقه من وسطه. عن ابن عباس قال:"كان أهل الكتاب يسدلون أشعارهم وكان المشركون يفرقون وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر به فسدل رسول الله صلى الله عليه وسلم ناصيته ثم فرق بعد .. أخرجه البخارى ومسلم وأبو داوود.
إن سيدنا يوسف عليه السلام عندما أتى إلى مصر ارتدى ملابس المصريين ، ليس هذا فحسب بل إنه حلق لحيته رغم أن بنى إسرائيل يطلقون لحاهم ، وهذا من ذكاء سيدنا يوسف ومرونته فالمصريون القدماء كانوا يعتبرون إطلاق اللحية نجاسة وقذارة ولأنهم قوم يحبون النظافة والتطهر حلقوا لحاهم خشية تعلق الأتربة والقاذورات بها. فيوسف عليه السلام لم يتمسك بعادات وتقاليد قومه البدو الذين جاءوا من الصحراء وهو مناخ يناسبه إطلاق اللحية أما فى مصر فالبيئة مختلفة ، نقية وصحية فلا حاجة إذن للحية هنا وحتى لا يكون شكله مستهجنًا ومستغربًا من أهل مصر - طالما أن ذلك لا يغضب الله تعالى - فقد ورد فى التوراة أن يوسف وهو فى مصر، كان حليق الوجه "فأرسل فرعون ودعا يوسف. فأسرعوا به من السجن. فحلق وأبدل ثيابه ودخل على فرعون".(تك41: 14)
وسيدنا موسى عليه السلام أيضا تربى فى قصر فرعون ولبس من ملابس المصريين وأكل من طعامهم وخضع لعاداتهم وتقاليدهم حتى ظن بعض العلماء أن موسى مصرى وليس إسرائيليًا لشدة تشبهه بالمصريين الذين كانوا فى ذلك الوقت مشركين فكان من الممكن مثلا ًأن يقول: لن أتشبه بالكفار وسأظل على عادات قومى.
ويعتنق الدكتور "عبد المحسن الخشاب" - مؤلف كتاب تاريخ اليهود بمصر- نفس الرأى عندما يقول: "وهل كان موسى إلا مصرياً تربى فى مصر وعلى أرضها وتثقف وتعلم بحكمتها وعلومها وقارن ووازن فى تأملاته وخلواته أخلاق المصريين فأخذ منها ما فتح الله عليه بهديه ، ونبذ ما وجده مخالفاً لفكره وتصوره". فموسى طوال فترة وجوده بمصر كان تفكيره وكلامه مصرياً ، كما تعلم بها فلم تكن له لغة أو علم إلا بما تعلمه كالمصريين ، وكان "موسى" – عليه السلام - يحاول حتى بعد رسالته أن يتكلم باللغة التى يفهمها المصريون.
ويتساءل دكتور"وجدى الفيشاوى" – باحث فى التاريخ اليهودى - إذا كان "موسى" يحمل اسماً مصرياً ، فلماذا لا يكون هو نفسه مصرياً ؟ وقال بنفس الرأى عالم النفس اليهودى فرويد.
وهكذا وقد قال الله تعالى أنه بعث كل نبى بلسان قومه والمفهوم من ذلك أن النبى لابد أن يتكلم لغة قومه حتى يفهموه ويؤمنوا به يعنى مثلا ً لو بعث نبى فى إثيوبيا سيتكلم اللغة الإثيوبية ولو بعث نبى فى انجلترا سيتكلم اللغة الانجليزية ولو بعث نبى فى فرنسا سيتكلم الفرنسية .. وهكذا ، ومنطقيًا أنه لن يتكلم لغة قومه فقط بل سيرتدى ملابسهم أيضا ًويأكل من طعامهم.....إلخ. فأى نبى هو نتاج بيئته وإفراز قومه وحصيلة مجتمعه ، أى نبى هو ابن البيئة التى يعيش فيها والبلد التى أنجبته. يعنى مثلا ً لو نظرنا للرسول صلى الله عليه وسلم لوجدنا أنه كان يلبس مثل قبيلته قريش لا يختلف عنهم فى شئ حتى بعد النبوة ، حتى تسريحة شعره كانت خاضعة لعادات وتقاليد قومه إذ أنهم كانوا يطيلون الشعور واللحى ولم يختلف فى المأكل والملبس عن الكفار أمثال أبى لهب وأبى جهل حتى بعد البعثة.
فليس من المعقول أن يأتى الآن شاب فى القرن الواحد والعشرين ويكون شكله مثل شاب فى العصور الوسطى ، شاذا ًعن مجتمعه بدعوى أنه يقلد الرسول صلى الله عليه وسلم.. يعنى لو كان النبى يعيش بيننا الآن كان سيقص شعره مثل كل الرجال ، وقد قيل له ذات يوم أن يأكل حيوان الضب فاعتذر بأنه لم يعتده بأرض قومه.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة