فى المساء كان فى عمله .. الأصوات تتعالى ورنين الهواتف تحاصره بنغمات غريبة متنوعة تخترق مسامعه فيزداد الصداع الذى يعصف به والوقت يمر ببطء .. إلى أن مر وحان ميعاد الانصراف .. استقل السيارة عائدا إلى بيته وهو يمنى نفسه بحمام بارد بعد عناء .. والعناء ليس من العمل ذاته بل من مناخ ومجريات العمل وتكافؤ الفرص، ففى العمل يصعد من هم أقل قدرا منه إلى مناصب أكبر منهم ومن قدراتهم بفضل معارفهم واتصالاتهم وهو .. محلك سر .. فاشل فى اللعب على الحبل .. فاشل فى القيام بدور البهلوان الذى يضحك الرئيس. والمدير .. والمسئول .. ورئيس القسم ..وهذه هى أدوات الصعود الآن .. لكن والحق يقال الكل يشهد له بالتفوق والحضور والطيبة!..
لكن هذا زمن لا مجال فيه لكل هؤلاء فما أولئك إلا عملات قديمة لم يعد لها قيمة تذكر فى هذا العالم الفاحش القسوة .. وبينما هو هكذا إذا بها تطل هى الأخرى من ذاكرته المثقلة ..زوجته أو قل نكده الأزلى .. ففى كل أحواله لا تهتم إلا بشيئين اثنين .. غيرتها المتواصلة .. و .. تباهيها الدائم بما تنفقه بالبيت ..أما عن عنائه طوال الليل والنهار فى العمل فلا تبالى .. إن اصيب بصداع كما هو الآن او زكام تتثاقل فى إعطائه حبات المضاد الحيوى أو المسكن وكأنها قامت بعمل مجهد للغاية ..
احتار فيها ..أكل هذه الغيرة المجنونة ومع ذلك فلا تترجم هذا الحب_ إن كان هذا حبا وليس امتلاكا كما هو واثق _ إلى حنان؟.. أليست كنساء أصدقائه اللواتى يعرفهن حق المعرفة وبأنهن سندا وعونا وملاذا؟
وصل إلى الشارع الذى يقطن فيه ..صعد بهدوء مبتهلا بأن تكون زوجته قد نامت أو ماتت أو على الأقل هادئة ولن تحقق معه كالعاده.. لكن هيهات لقد كانت بانتظاره ..متجهمة فلم ترد تحيته وكأنها الوالى العثمانى ..بدأ فى التحرر من رباط العنق الذى يخنقه لم تعطه فرصة فلقد صرخت فيه قائلة : كنت مع مين يااستاذ لحد دلوقتى ؟.. نظر إليها متوسلا أن تكف عن هذا الصراخ قائلا : فى الشغل .. وتعبان .. وعندى صداع .. ارجوك بلاش خناق الليلة دى.. هى : خناق إيه هو انا كل مااكلمك تقولى كدة .. انت بتعرف عليا مين ؟ دى اخرتها ؟ دا انا قايدة لك صوابعى العشرة شمع ..انت مابتحسش ؟..
هو : انتى خسارة فيا عارف .. بس ارحمينى وخلينى ارتاح ..هى : وانت مش مرتاح ؟ انا خدامة فى البيت وانت برة هايص مع الستات ؟ هو : والله راجع من الشغل حرام عليك بقى زهقتينى ..انتى ايه ؟ بجم .. هى : انا بجم يابن "......" وصفعته بشدة ..طار صوابه ..هرول الى المطبخ .. استل سكينا ركض ناحيتها وهى مذهولة لا تقو حتى على الصراخ وبمنتهى القوة اغمد السكين فى صدرها ..تهاوت ..نظرت إليه لأول مرة بضعف وانكسار حاولت ان تتأوه ..لم تقدر .. ماتت.. الهدوء يلف المكان بعد الصخب ..سار الى الحمام ..انهمر الماء على جسده ترنم بأغنية يحبها ..بدل ملابسه .. اتصل بالنجدة ..انا قتلتها ..عنوانى ..
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة