تساءل الناس كثيراً عن الأسباب الرئيسية التى جعلت من كل مكان فى مصر مرتعًا للقمامة والقاذورات، وجاءت الإجابات مسهبة فى أن السبب الوحيد هو"الفساد فى المحليات" وذلك لأن النظافة والتنظيم للشوارع والمدن هذه وظيفة خالصة للحكم المحلى فى كل محافظة، واستوردت بعض المحافظات أو كلها بعض الأفكار أو الشركات الأجنبية حتى تقضى على "جبال القمامة" التى أصبحت سمة مميزة للمدن المصرية مهما ارتقت أو تدنت مستوى المعيشة فيها ففساد المحليات هو فساد "لمنهج حياة" هو فساد حتى الموت.
يشكل الفساد فى كل القطاعات الآفة التى حصدت الأخضر واليابس ولم تترك مجالاً فى مصر إلا وقضت على كل موارده وكل حصاده وثماره ويكاد الفرد منا يرى بالعين المجردة مدى تهالك كل مصادر التنمية فى بلدنا ومدى عجز الموارد عن سد احتياجات الشعب المصرى المنهك من "طلعة الشمس إللى طلعتها" أيضاً فى اليوم الثانى فى تحصيل لقمة العيش الضرورية لكل أسرة وعلى حسب مستواها التعليمى والاجتماعى.
فهل يخفى على أحد ما كان ما أصبحت فيه الحالة المادية والاجتماعية المزرية والتى لا تقترب من حد الكفاف لكل المجتمع على حده ماعدا الطبقة المختارة من شعب مصر"المارينى والجوانى والشرمى والغردقى المبارك الثابت ومريديه" من كل الملل والطوائف العابثة بمقدرات أهالينا بمعنى الكلمة والتى كنا نردد هذه الكلمة وراء ملوكنا المتألهين ولا نفهم لها معنى إلا ونحن نرى مقدراتنا يعبث بها صغار القوم وأراذالهم بل وبلطجيتهم والإطاحة بكرامة شعب يقترب رويداً رويداً من التسعين مليون نسمة.
أين مصر؟ أين الشعب؟ بل أكثر من ذلك وأنكى أين الدولة.
عندما نسير فى طرقات "بلاد ليست كبلادى" لا تشعر بوجود الدولة بسلطة القانون بل أصبح قانون البلطجة وسيادة الفهلوة وشرطة الوساطة والمحسوبية وحكومة" التوك شو" هو شعار المرحلة.
لقد أصدرت وزارة االتخطيط مؤخراً بالتعاون مع مشروع قضايا وسياسات السكان والتنمية بصندوق الأمم المتحدة تقريرا حديثا حول تقييم أداء المحافظات فى مصر، وتحدث التقرير الحكومى عن ارتفاع نسبة السكان تحت خط الفقر.
وأشار التقرير أيضا إلى أن هناك عددًا من المحافظات المصرية لن تستطيع خفض مستويات الفقر لديها خلال المستقبل القريب ومن بينها محافظات بنى سويف وأسيوط وسوهاج، وطالب المختصون بإعطاء المجالس الشعبية المنتخبة صلاحيات أكثر تعطيها حرية الحركة والقدرة على محاسبة المسئولين فيها.
أما تقارير التنمية البشرية فأشارت لفساد إدارات مصر المحلية بسبب اختراق الحزب الوطنى لها، ووفق تقرير للجهاز المركزى للمحاسبات من فقد بلغ حجم الفساد بالمحليات إلى 390 مليون جنيه فى عام واحد، بالإضافة إلى إحالة ما يزيد على 54 ألف مهندس فى الإدارات الهندسية بالمحافظات والمدن والأحياء لتحقيقات النيابة الإدارية والعامة، والتركيز أيضا على ظواهر التعدى على الأراضى الزراعية والتى بلغت أكثر من 6 ملايين فدان و4 ملايين أراضى بناء فى المحافظات.
ويعرض تقرير آخر للجهاز للمبالغ المهدرة موزعة على القطاعات "إهدار المال العام" فعلى سبيل المثال قطاع الوحدات المحلية بلغ إجمالى المبالغ المهدرة فى القطاع 431 مليونا و419 ألفا و494 جنيها، وفى قطاع الأوقاف 38 مليون جنيه، وفى الصرف الصحى 70 مليون جنيه، وبلغ إجمالى المبالغ المهدرة موزعة على قطاعات وحدات محلية، الإسكان، الأوقاف، الطرق، الصرف الصحى ، الشباب، والرى 574 مليون و38 ألف جنيه.
وحول آخر تصنيف شرائح الموظفين العموميين بالدولة مرتكبى جرائم الفساد بالمحليات حيث بلغ عددهم الإجمالى 275 موظفا بواقع 186 من كبار الموظفين و89 من صغار الموظفين، منهم 267 موظفا وخمس موظفات فقط.
تظهر الحقائق والأرقام بكل وضوح وشفافية التى تتغنى بها الحكومة ليل نهار أننا لا دولة القانون ولا حكومة الفقراء بل حكومة "أسماك القرش" التى لا تترك فرصة لأى من الكائنات الحية أن تبقى على قيد الحياة فى مياهها.
إن السياسات المالية والحكومية المتبعة تهدف إلى استنفاد أقوات المصريين الفقراء والقضاء على كل طموحات المصريين فى الاستثمار والتجارة والثراء فهناك دائماً أيادٍ خفية تسعى دائماً لإفقار المصريين على حكمة "لا كرامة لفقير فى مصره".
الفساد المطلق ونهب ثروات كل المصريين وعلى رأسه فساد المحليات هبط بالشعب المصرى إلى الحضيض فى مستوى كل الخدمات بل والاحتياجات الأساسية بدأً بتلوث المياه وفساد المزروعات ومن سوء التخطيط فى توفير كل السلع الاستراتيجية من أنابيب الغاز إلى رغيف العيش.
أصبح المصريون مطحونين فى دوائر مغلقة من الألف إلى الياء فى كل تفصيلة من المأكل والمشرب والحياة اليومية القاتلة للبشر والحجر وكلهم شوق جارف لرؤية النورفى نهاية النفق فهل بالفعل يوجد نور فى نهاية هذه الأنفاق الموحشة من الفساد الظالم لكل المصريين.
السؤال الجدير بالإجابة عليه من الذى سيقرر القضاء على هذا الفساد الضارب بقوة فى كل تفاصيل الحياة المعيشية المصرية ومن الذى يملك القدرة على تغيير تلك السياسات أو حتى لجان السياسات التى جُبلت على الجبروت والطغيان واللامبالاة بالشعب المصرى المسكين الذى لم يعد يملك حتى مسكنه الذى بناه من كده وعمله وكفاحه بعد أن تجهز عليه الضرائب بكل قوانينها العشوائية والمخططة بدهاء بالغ للقضاء على أحلام المصريين فى أية ثغرة لتأسيس دخل ثابت ولو من عقار تلقى فى سبيل تملكه كل ألوان الشقاء والحرمان.
إن مواجهة الفساد فى مصر يجب أن تبدأ بدعم مشاركة المواطنين فى إدارة الشأن المحلى وإعادة هيكلة الوزارات المركزية وإعادة هيكلة المحافظات وإعادة النظر فى دور المجالس المحلية، بالإضافة إلى تعزيز قيم الشفافية والمساءلة فى جميع القطاعات من خلال إصدار قانون يكفل حرية تدفق المعلومات والوصول إليها فهل من مجيب؟ّ
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة