58 عامًا مرت على ثورة يوليو 1952، وفى هذه المناسبة يحلو لنا نحن الكتاب الجدل حول وجهتى نظر متعارضتين، الأولى ترى أن الثورة قد انتهت على أرض الواقع، حتى أننا نحتاج إلى ثورة جديدة تعيد نفس المبادئ التى قامت من أجلها ثورة يوليو.
وترى وجهة النظر الثانية أن الثورة مسئولة عن كل ما نعيشه، لأنها حلت الأحزاب السياسية، ومنعت الديمقراطية، وحاربت حرية الرأى والتعبير، وأرست بيروقراطية فى الجهاز الحكومى للدولة الذى ترهل بدرجة غير مسبوقة، وغير موجودة.
وباعتقادى أن الاثنين على صواب، فمبادئ الثورة خاصة العدالة الاجتماعية والقضاء على سيطرة رأس المال على الحكم لم يعد لها وجود، لأن معظم مشاكل هذا البلد سببها سيطرة رجال الأعمال وأصحاب الثروة على القرار السياسى بما يجعله فى غالب الأحيان يعمل لصالحهم فقط، بينما غياب العدالة الاجتماعية أمر نشعر به جميعا ويتحدث عنه المسئولون كافة، وهو أمر يهدد سلامة هذا الوطن.
لكن فى نفس الوقت لا يمكن الحكم على ثورة يوليو فى ضوء معطيات العصر الحالى، بمعنى أنه لا يمكن محاكمة العصر الأول من ثورة يوليو فى ضوء مواثيق حقوق الإنسان الحالية، حيث كانت هناك وجهة نظر فى الخمسينات والستينات ترى أن القضاء على الاستعمار وبناء الاقتصاديات الوطنية ومحاربة الفقر، له أولوية على موضوع الديمقراطية والتعددية.
فى كل الأحوال انتهت ثورة يوليو منذ إعلان الرئيس الراحل أنور السادات ما عرف بقانون حرية رأس المال العربى والأجنبى فى السبعينات، والذى كان بداية الطريق للتخلص من الاشتراكية والاقتصاد الموجه، ودخول عصر السوق الحر أو المفتوح، ولم يعد باقيا من الثورة سوى احتفال سنوى بذكراها، وإدارة حكومية بيروقراطية ومترهلة، وما تبقى من قطاع عام يناضل من أجل الحياة، ومجانية فى التعليم فقدت معناها وتراجع مستواها إلى حد كبير.
وهذا يعنى أن مصر أصبحت فى حاجة ماسة إلى ثورة على الثورة، لكن ثورة الألفية الثالثة تختلف بالتأكيد فى آلياتها عن ثورات القرن العشرين، فالثورة الحديثة تحتاج للانتصار لحقوق الإنسان، والديمقراطية، والمشاركة السياسية، والانتخابات النزيهة، وتحويل العدل الاجتماعى إلى واقع وليس إلى شعارات عبر برامج اقتصادية تكافح البطالة، وتتيح فرص التشغيل، وعدالة ضريبية لا تساوى بين ما يحصل على عشرين ألف جنيه فى العام، وبين ما يربح مليار جنيه.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة