بالصور.. المدن الجديدة تحولت إلى ضواحٍ للقاهرة .. "الشروق" خارج نطاق خط النجدة.. وشركات النظافة تلقى المخلفات أمام الوحدات السكنية بموافقة الجهاز

السبت، 24 يوليو 2010 07:49 ص
بالصور.. المدن الجديدة تحولت إلى ضواحٍ للقاهرة .. "الشروق" خارج نطاق خط النجدة.. وشركات النظافة تلقى المخلفات أمام الوحدات السكنية بموافقة الجهاز المدن الجديدة تحولت إلى ضواحٍ للقاهرة بلا روح
كتبت منال العيسوى - تصوير: أحمد معروف

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
الشروق وبدر مدن تنتمى للجيل الثالث أنشأتها الدولة منذ منتصف السبعينيات من القرن الماضى، بهدف إيجاد مجتمعات عمرانية جديدة‏ تشع بالأمل والحياة، إلا أنهما تحولتا إلى مدن بلا روح تعج بالمشكلات‏ والحياة اللا آدمية‏، وأصبحت تجمعات للفقراء ومجرد ضواحٍ جديدة للقاهرة، سكانها يهجرونها لتصبح خاوية ومسرح لكثير من الجرائم.



الساعة الثانية عشرة ظهرا عند البوابة الثانية للشروق باتجاه سوق العبور، سترى بعينك الباب الخلفى الذى يسقط عنه قناع التجميل والتشجير، فهو مدخل الأهالى وليس كبار الزوار أو رئيس الجهاز، حسب ما قال الحاج رمزى محمد سليمان مسئول التنمية بجهاز مدينة الشروق، الرجل الذى تخطى عمره الـ50 عاما ويأتى يوميا من بلبيس شرقية لمباشرة عمله كمشرف على عمال التشجير وحين تسأله عن سر هذه الصحراء الجرداء مقارنة بمدخل الشروق واحد يقول بمنتهى الرضا "أصل دا مدخل السكان ورئيس الجهاز ما بيمرش من هنا، ولا حد من الناس الكبيرة، كله بيروح من الناحية التانية، وكمان الميه فى الصيف هنا قليلة قوى ودا خط مواسير جاى من القاهرة ولسه بيشتغلوا فيه، وأنا مش عايش هنا لأن العيشة غالية قوى وأنا يدوب بخلص شغلى وأسافر الشرقية".



بجوار عم رمزى يمكنك أن تقف بالساعات منتظرا أى سيارة ملاكى فقط، وإن كنت سعيد الحظ وربنا راضى عنك يمكن تلحق الأتوبيس الوحيد القادم من موقف العاشر للشروق، ستستقل الأتوبيس وأنت تحمد ربك أنك لم تصب بضربة شمس فلا مظلات ولا زرع، فالصحراء خلفك وطريق إسماعيلية- القاهرة الصحراوى أمامك، ربما ساعتها ستفاجأ بممر الأتوبيس ممتلئا بالأكياس البلاستيكية والكراسى فقط يملؤها البشر بوجههم المكفهرة من حرارة الشمس والوقوف لساعات بالموقف، ستجد سيدة تعطيك زجاجة مياه اشترتها لأولادها لأن المياه دائما مقطوعة، أو ستجد رجلا فى الأربعينيات عائدا من عمله ويحمل أكياسا من الخضراوات والخبز، أو أم تمسك بيديها أولادها عائدة بهم من مدارسهم.



لن يعيرك أحد اهتمامه حين تدخل الأتوبيس، فالجميع لا يعرفون بعضهم البعض، لا يعرفون إن كنت غريبا أو من أهل المدينة، ويمكنك أن تنزل فى المحطة التى ترغبها، الطريق ممتد أمامك لأكثر من كيلو على اليسار ستسمع صوت طرقات الخشب للأبنية الجديدة وتلحظ بعينك أنها جميعا مازالت تحت الإنشاء، وعلى اليسار الحدود الشرقية للمدينة بالأشجار العالية التى غيرت أوراقها للون الرمادى متفاعلة مع "هبو" رمال الصحراء.



وقبل أن ينتهى الطريق يبدأ الركاب ينزلون واحدا تلو الآخر فهذا ينزل إسكان الـ60 أو الـ63، وآخر الـ70 مستقبل أو مبارك، أو مستقبل الـ48، وأخيرا الـ100. والجميع يبدأ فى اختراق الصحراء حتى يختفى عن نظرك فى النهاية ليصل للعمارة المقيم بها.



وعند لافتة كبيرة تحمل صورة الرئيس مبارك ستعرف أنك عند إسكان الشباب مبارك فى منطقة الـ70، لن تجد من يعترض طريقك أو حتى يسألك إلى أين أو لمن أنت ذاهب، باستثناء نظرات عمال التراحيل التى تفوق عدد الأبنية السكنية، يطاردونك بنظراتهم حتى تقف مكانك برغبتك، أو برغبتهم.



على اليمين ستجد مدرسة خالد ابن الوليد خاوية باستثناء الإداريين وبعض المدرسين محمد عبد الفتاح مدرس أول لغة عربية بالمجاورة 70 إسكان مبارك، قال‏ "نعانى من العذاب اليومى عند ذهابنا إلى أعمالنا فى وسط البلد، وأحيانا نتغيب عن أعمالنا بسبب المواصلات بعد انتظار قد يستمر لأكثر من ساعة أو ساعتين‏، ونضطر بعدها لاستخدام الميكروباص إن وجد، وهنا نقع تحت رحمة السائقين لأنهم يتعاملون مع الركاب بطريقة سيئة ويتحكمون فى الأجرة بشكل استفزازى وفى النهاية يأخذون ما يطلبونه‏.‏



وهنا يقطع حديثه طارق وحيد مدير فرع المجلس القومى للسكان بحلوان قائلا "رئيس الجهاز يرفض تماما دخول هيئة النقل العام للشروق بحجة أنه لا يوجد جراج لهم وإن عدد السكان فى المدينية قليل، حيث كان الأتوبيس رقم 323 نقل عام مفترض أن يكون من الشروق للتحرير، وبعد رفض رئيس الجهاز تم تحويله من التحرير لموقف العاشر ومن موقف العاشر نذوق الأمرين فى العودة لمنازلنا وأحيانا ننتظر بالساعات فى موقف العاشر حتى نستقل مواصلة أخرى.



عم عادل فودة حارس المدرسة يأتى مسرعا بجلبابه الأزرق وابتسامة أولاد البلد قائلا "ياريتها تيجى على أد المواصلات، لكن السرقات منتشرة هنا قوى سواء سرقة المساكن، أو سرقة المدارس، والسيارات، ومدرسة نبوية موسى سرقت أكثر من مرة، والغريب بقى أن خط النجدة هنا غير مفعل، ولو حصل حاجة واتصلنا بالنجدة يرد علينا المسئول الشروق خارج نطاق خط النجدة".



تركنا المدرسة خلفنا واتجهنا لقلب المدينة تجمع السوق، ووجدناه على غير الطبيعى فيكاد لا يوجد أناس باستثناء بعض الرجال وثلاث سيدات، وأكثر من 15 شابا صغيرا يفترشون كراسى محل عصير ويتسمرون أمام التليفزيون.



اقتربنا منهم لمعرفة ما يحدث، فهذا مغنى سيد عبد الحليم محاسب من سكان المستقبل الـ63، ترك كل شىء وتحدث عن التشجير والنظافة والكهرباء والخضرة السمة الرئيسية لكل المدن الجديدة، قائلا "حين تعاقدنا مع الجهاز كان شرط الاستلام دفع مبلغ 2400 جنيه لاتحاد الملاك من أجل صيانة العمارة والكهرباء وطلاء واجهة العمارة والتشجير والزرع أمام العمائر، ومنذ عامين لم يتم أى شىء وذبذبة الكهرباء حرقت أغلب الأجهزة الكهربائية فى الشقق، ومات الزرع وأصبحنا نعيش فى صحراء فعلا، وتقدمنا بالشكوى رقم 8281 لسنة 2010 بتاريخ 5 مايو الماضى، وجددناها فى تاريخ 21 يونيو، لأننا فوجئنا أن الجهاز أعطى شركات النظافة موافقة بإلقاء مخلفات العمائر أمام الوحدات السكنية، إلا أن الجهاز ودن من طين والثانية من صخر لم يتحرك، وكلما طلبنا رقم 32556 يأتى الرد أن المسئول مش موجود، لأنه تم تغيير رئيس الجهاز ثلاث مرات فى أقل من 6 شهور".



وبلهجة صعيدية يملؤها الحسم والطيبة، قالت أم محمد قاسم "الأسعار هنا وعرة قوى وغالية الطاق ثلاثة مش اثنين، ومنقدرش نمشى لأن شغل راجلى هنا، وحتى العيش، الفرن الوحيد قفلوه وسابولنا فرن العيش السياحى الرغيف بـ25 قرش واللى مش عاجبه يروح لحد العاشر يجيب من فرن القوات المسلحة، هنا مفيش أفران وبيجيبولنا العيش فى الأكشاك، وشكله استغفر الله العظيم أسود ومليان رمل".



الحاج على عبد السلام صاحب محل مجمدات، استفزته كلمة الأسعار وعرة فانتفض من مقعده قائلا "أحنا هنعمل أيه يعنى نخسر، أنا كنت واخد ترخيص المحل دا طيور حية، وبعد أزمة أنفلونزا الطيور قلبوه غصب عنى لمجمدات وياريت حد بيشترى".



وعلى بعد خطوات منه، لافتة لشركة دلتا ماركت الشروق التابعة للشركة العامة لتجارة الجملة، يجلس بداخلها شاب اسمه طارق محمد زغلول يعمل فى الجمعية، قال باختصار مدير الجمعية عبد الله عبد العاطى الجهاز معاند معانا ومش عايز يدخلنا كهرباء، والثلاجات فاضية لأن الجهاز مش متفق مع جمعية المستثمريين اللى أحنا مأجرين منها وعايزينا نأجر منه أو نقفل لصالح محلات السوبر ماركت اللى بتبيع بأسعار غالية ومش فاهمين أيه اللى هيضره لو بعنا بسعر بنص الجملة".

وفى ورشة نجارة صغيرة لم ينتظر الأسطى حمدى سعد حتى نصل عنده، فقال "تعالوا هوريكو حاجة ما ترضيش ربنا شوفوا الميه نازلة من الحنفية شكلها أيه، مليانة كلور ورمل وتجيب فشل كلوى للى يشربها، ضاربا كفا على كف حسبى الله ونعم الوكيل".

أما نجوى أبو الفتوح سكرتيرة مدرسة بشبرا الخيمة تقول "انظرى حواليكى المدينة مليانة عمال مابقتش مدينة سكنية، أحنا جايين نسكن فى مدينة حضارية، لكن تصرفات عمال المبانى والصنايعية بتأذينا وبتأذى بناتنا".

مشاكل لا حصر لها لكن بعضها يمكن التعامل معه إلا مشكلة انعدام الخدمات الصحية وإغلاق المركز الطبى الوحيد الذى يخدم مجاورة الـ70، والـ63 بعد افتتاحه عام 2000، ليصبح مرتعا للكلاب الضالة والعمال بلا مأوى، والعجيب أن أحد المراكز بمنطقة الـ‏100 لا توجد به سوى ممرضة تقوم بتوليد السيدات الحوامل فى مركز طبى لا توجد به غرف لإجراء العمليات، وإدارة المركز تعلل ذلك بأن الممرضة تمارس مهنة التوليد منذ زمن وتحمل رخصة ولادة وهو ما يخالف شروط ممارسة المهنة، ورغم ذلك المركز للطب الوقائى وليس للعلاج‏، وعند استقبال مريض تستدعى حالته الحجز بالمركز تقوم بإرساله عن طريق سيارة إسعاف إلى مستشفى السلام القريب من الشروق‏.

بدر لا تختلف كثيرا عن الشروق باستثناء أن سكانها بالفعل هجروها ولم يتبق منهم سوى نسبة قليلة، ويلجأ بعض السكان لاستخدام التوك توك كحل بسيط لمشكلة المواصلات الداخلية لانتقالهم إلى وسط المدينة، ومع قلة الأتوبيسات وأعطالها الكثيرة بدأوا يستخدمونه من المدينة إلى الكيلو‏4.5‏ طريق القاهرة ـ السويس، ومن هناك يستقلوا أى مواصلة إلى وسط المدينة‏.‏


وأخذ انعدام الأمن فيها شكل آخر غير السرقات والاغتصاب، حيث قال فاروق عبد الجواد طبيب، إن المدينة تعانى من مشاكل أمنية‏ خاصة أن كثيرا من الشقق تؤجر مفروشة وتستخدم للأعمال المنافية للآداب على مرأى ومسمع من أهل المدينة، وأكثر من مرة حدثت جرائم قتل واكتشاف جثث فى الصحراء‏.‏

تقول وفاء محمود من سكان مدينة بدر المجاورة الثالثة إنها قررت ترك المدينة لأنه أكثر من مرة أصيب أحد أبنائها بمرض أو جرح وعانت العذاب من المواصلات لكى تذهب إلى طبيب فى وسط المدينة أو إحدى المدن المجاورة‏،‏ فالمراكز الطبية داخل مدينة بدر مغلقة‏.‏

وعن الأعطال المستمرة فى المواصلات قال الشيخ محمد حسن سائق أتوبيس فى شركة القاهرة الكبرى، إن الأعطال على الخط كثيرة‏، والضحية هنا هم الناس المرتبطون بمواعيد عمل، فيضطر الركاب إلى النزول وسط الصحراء‏ وهم وحظهم بقى".

ويبقى انعدام مقومات المعيشة المستقرة من فرص عمل لأبنائها، وعدم توفر الخدمات الصحية‏، وقلة الأسواق التجارية وعدم نظافتها‏، وانسداد مواسير الصرف الصحى، وعدم كفاية مياه الشرب وكسر المواسير‏، وكثرة القمامة فى الشوارع والأحياء‏، والمخابز غير كافية‏ والمتوفر منها السياحى فقط‏، وارتفاع أسعار الشقق بسبب عدم التنافس وارتفاع سعر بيع المحلات (15 ألف جنيه للمتر) ‏، وعدم كفاية المواصلات‏ وانعدامها فى بعض المدن مثل بدر‏، وقلة التواجد الأمنى بجميعها‏، وسوء معاملة موظفى الجهاز للمواطنين خاصة قسم التراخيص، وعدم اهتمام جهاز المدينة بمشكلات وشكاوى المواطنين‏، ومعظم الشوارع غير مضاءة‏، مشكلات حياتية يومية تجبر السكان على الرحيل.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة