بعد انتهاء دوامى الرسمى، خرجت من مقر عملى، لأستقل سيارتى، فإذا بأحد الزملاء يقف أمام مقر العمل، وكان من إحدى الجنسيات الخليجية، فوقفت لأتسامر معه بعض الوقت، لما بينى وبينه من عِشْرَةٍ، ووصل بنا الحديث إلى تأخر سن الزواج فى الوطن العربى، بسبب غلاء المهور، وتمسك أهل العروس بأشياء صغيرة لا تمت للإسلام بصلة، وترهق كاهل الشباب المقبلين على الزواج، وكانت سبباً رئيسياً لانتشار العنوسة بينهم، لأنهم لا يستطيعون القيام بها، وقد نهى عنها الإسلام.
ومن خلال معرفتى بهذا الزميل، أعلم أن أباه رجل مقتدر، ويستطيع أن يزوجه بمن شاء وقتما شاء، ولكنه معترض على الزواج، رغم أنه فى العقد الرابع من العمر، ولم يسبق له الزواج، بل لا يفكر فيه أصلاً.
وقد توجهت إليه بسؤال: لماذا لم تتزوج إلى الآن، وأنت مقتدر؟ فأجابنى: وهل أنا مجنون لكى أتزوج. فقلت له: وهل الذى يتزوج مجنون؟ فقال: نعم، لماذا أتحمل مسئولية زوجة وأولاد، فى حين أنى قادر على أن أعيش بدونهم. فقلت له: الزواج فى الإسلام له ثلاث حالات، وهى «فرض أو سنة أو واجب»، وكلها من الدين بالضرورة، ويجب القيام به، لأنه سبب رئيسى لإعمار الأرض، التى خلقنا الله تعالى من أجله بعد عبادته جل فى علاه، ولا يصح أن تعيش بدونه. فقال: دعنى أفكر، وبعدها أخبرك... انتهى.
وأنا أتوجه إلى مثل هذا الشاب، ومن على شاكلته، أن ينحو هذا التفكير جانباً، لأنه تفكير خاطئ، وسيذهب بهم إلى الجحيم، لأن الشهوة الجنسية شىء من طبيعة أى كائن حى، سواء كان إنساناً أو حيواناً، فلا يقنعنى أحد أنه لا يفكر فيها، بل هى شىء جبلت عليه الفطرة منذ خلق آدم عليه السلام وإلى قيام الساعة، والذى لا يفكر فيها، هو إنسان مصاب بخلل هرمونى، ويجب عليه الذهاب إلى طبيب لمعالجة نفسه. وإذا كان يخرج شهوته فى الحرام فهذا هالك لا محالة، بل بشره الرسول (ص) بالفقر فى الدنيا، وله الويل فى الآخرة إذا لم يتب إلى الله ويندم على ما فعل توبة نصوح.
وفى الجانب الآخر، نجد أن كثيراً من الشباب بعد انتهاء دراستهم، أول ما يفكرون فى الزواج، حتى قبل استلام كثير منهم لمهام وظيفته سواء كانت حكومية أو فى القطاع الخاص، يذهب للبحث عن نصفه الآخر، لكى يعتمد على نفسه، ويستقل بحياته، وعندما يعثر عليها، بمعرفة أهله أو ذويه، يذهب إلى أهلها لخطبتها، فنجد أنهم يرحبون به من ناحية الدين والأخلاق، ويفتحون له الأبواب على مصراعيها، ولكنهم يواجهونه بقائمة مطالب لا حصر لها ولا عد، وكأنه عثر على كنز، أو سرق بنكاً، وبذلك يحجم عن الزواج بمجرد سماعه هذه الشروط.
وأنا لا أنكر حق العروس فى المهر، فهو من حقوقها الشرعية وواجب على الزوج أداؤه، ولكن أيضاً يجب على أهل العروس أن تكون نظرتهم واقعية لما يعيشه الشباب من ظروف، فالشاب عندما يفكر فى الزواج فهو يبحث عن الاستقرار، وبناء بيت الزوجية، فلماذا نصعبه عليه ونضع أمامه الحواجز والعراقيل.
إنها صرخة تحذير من خطر العنوسة، خرجت من قلبٍ محبٍ لكم، توجهت بها إلى كل شاب عازف عن الزواج رغم قدرته المادية لأهواء شخصية، وإلى كل والد عروس رفض شاباً تقدم لخطبة كريمته لأسباب مادية. والله أسأل أن يحفظ علينا أعراضنا، وأن يبصرنا فى ديننا إنه ولى ذلك والقادر عليه.
