لماذا يعتبر المتشددون كل مثقف كافرا حتى لو ثبت إيمانه؟

الجمعة، 23 يوليو 2010 02:41 ص
لماذا يعتبر المتشددون كل مثقف كافرا حتى لو ثبت إيمانه؟ نصر حامد أبو زيد
وائل السمرى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
متى نحاكم محمد حسان وحسين يعقوب وعبد الصبور شاهين والحوينى والعبيكان بتهمة الإساءة للإسلام والعمالة للغرب؟
هل على سبيل المصادفة أن يموت نصر حامد أبوزيد فى نفس الأسبوع الذى يفتى الداعية السعودى وأستاذ العقيدة بجامعة محمد بن سعود الإسلامية بالرياض عبدالرحمن البراك بعدم كشف وجوه النساء حتى أمام النساء، وأن الصحفيين أجناد الشياطين، وهل على سبيل المصادفة أيضا أن يتعرض نجيب محفوظ لعملية الاغتيال قبل أشهر من نفى نصر حامد أبوزيد إلى خارج البلاد، وهل على سبيل المصادفة أن يتم اغتيال فرج فودة فى نفس السنة التى يهز فيها زلزال 92 مصر فترتبك الدولة ويتشرد الناس وتنهدم البيوت؟

نعم كل هذه مصادفات، لكنها مصادفات «محسوبة» بما يعنى أن الإطار العام هيأ حدوث مثل هذه الوقائع فى أزمان متقاربة لكنها نتيجة ترسبات كثيرة تراكمت عبر السنين لتنضح الكوارث فى وجه المجتمع المصرى، فـ«مسابقة التطرف» التى كان من نتائجها أن يحرم «البراك» كشف وجه المرأة حتى أمام مثيلاتها من النساء «تجنبا للفتنة» هى التى اغتالت نصر حامد أبوزيد بطريقة غير مباشرة، فاختنق المفكر بفكره بعد أن لفظه مجتمعه، وأفسح المجال للبراك وأمثاله يحشون أدمغة العامة بالمزايدات على الإسلام وتشويه صورته ليبدو كما لو كان دينا مجنونا بالجنس، يخشى على المرأة من المرأة، وليس ببعيد أن يزايد شيخ آخر على «البراك» ويفتى بتحريم رؤية المرأة ذاتها لوجهها فى المرآة تجنبا للفتنة أيضا، وكذلك فإن مسابقة التطرف أيضا هى التى أفرزت شبابا يحملون السلاح ويذهبون به إلى المبدعين والمفكرين لتصفيتهم جسديا حتى دون أن يكلفوا خاطرهم أن يقرأوا ما ذهبوا ليغتالوهم من أجله، ونتيجة طبيعية لهذا التطرف وإشغال الناس بتوافه الأمور باعتبارها «عصب الإسلام» وتحالف السلطات الدينية مع السلطات السياسية أن يسود الفساد ويعم التواكل ويصبح «كل شىء مكتوب» حتى تهالكت البنية الأساسية وتراكمت الديون وانتشرت السرقة بالشكل الذى يجعل زلزالا عاديا يتسبب فى هدم مئات البيوت، وإزهاق العديد من الأرواح، ووقوع البلد كلها فى مأزق حقيقى كاد يعصف بها من زلزال لم يستمر إلا ثوانى معدودة.

أغلق المجتمع قلبه، وصم آذانه، وكف بصره، وأصبح يضيق بأى مفكر يحاول أن يجتهد ويتأمل ويقارن ويحلل ويستنتج، وأذاق كل مفكر ويلات العذاب فى حياته واللعنات والشتائم بعد موته، وبذلك أصيب بتصلب الشرايين وعدم التجديد، وليس ببعيد أن نجد أحد المتطرفين ينادى فى يوم من الأيام بنبش قبر طه حسين وفرج فودة ونصر حامد أبوزيد وحرق جمال البنا حيا، كل هذا لأنهم على اختلاف طرقهم ووجهات نظرهم أرادوا أن يجتهدوا ويفكروا ويبحثوا عن أسباب تخلفنا وضعفنا ووهننا، ونتيجة لتفكيرهم كان تكفيرهم، لا يهم ماذا يقولون، وماذا فعلوا ليتوصلوا إلى نتائج بحثهم، ولا يهم أيضا أن نناقشهم فنصوب الخطأ ونعتمد الصواب، لكن المهم أن نلصق تهمة الكفر بكل من يحاول أن يتفكر فى الدين ويعمل الآية الكريمة التى تقول «سنريهم آياتنا فى الآفاق وفى أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق» أو الآية الكريمة التى تقول «قل سيروا فى الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلكم» أو أى آية أخرى تحث على التفكر والتأمل والاستفادة من أخطاء الماضى لا تأليهها وتقديسها وكأنها وحى منزل من الله تعالى، وهل يصح أن نكًّفر كل من تكلم فى الدين لمجرد أن كلامه لا يوافق هوى الآخرين، وأن نلصق به شبهات الإلحاد والعمالة للغرب ولإسرائيل لمجرد أنه قال ما لا يعجب البعض، وهل يصح قياسا على هذا أن نحاكم كلا من محمد حسان ومحمد حسين يعقوب وأبو إسحق الحوينى والبراك والعبيكان ونتهمهم بالإساءة للإسلام لمجرد أنهم قالوا وجهة نظرهم فى أمر دينى يرى البعض أنه يسىء إلى الإسلام ويخدم أعداءه بإشاعة الفرقة والتناحر بين أبناء الأمة الإسلامية ويرى آخرون أن خطاب هؤلاء الشيوخ المهاجم لإسرائيل دوما والذى يؤسس لفكرة القضاء عليها ورميها فى البحر وإلقائها فى النار يخدم مصالح إسرائيل ويعيد إلى أذهان العالم ذكريات الهولوكوست فيسارعون إلى الوقوف بجانب إسرائيل ضد المتوحشين من العرب والمسلمين، فهل يجوز -بناء على هذا- أن نتهم هؤلاء الشيوخ برغم أنهم يجتهدون فى أمور دينهم حسب وجهة نظرهم أن نواجههم بمثل الاتهامات التى يلقيها المجتمع فى وجه المفكرين المستنيرين؟

والآن وبعد خمسة عشر عاما من قضية نصر حامد أبوزيد التى أصبحت وصمة فى جبين مصر هل يمكن أن نعيد حساباتنا وأن نرى بمزيد من التسامح هذا المشروع العملاق المسمى بنصر حامد أبوزيد، خاصة أن هناك شبهة ثأر غير موضوعية فى قضية نصر حامد أبوزيد والدكتور عبدالصبور شاهين خصمه اللدود فى هذه الأزمة، فمعروف أن «أبو زيد» كان قد تقدم فى أوائل التسعينيات إلى لجنة ترقيات الأساتذة للحصول على درجة أستاذ، فما كان من فاحص الأبحاث الدكتور عبدالصبور شاهين إلا أن يحرمه من ترقيته بدعوى أن أبحاثه دون المستوى، وليس ذلك فقط ولكن أخذ يهاجمه هو وأصدقاؤه من أساتذة كلية دار العلوم فى المحاضرات وعلى المنابر وفى المجلات والصحف، ملصقين به أبشع التهم وأقذرها، فى استمرار لحالة الخصومة بين كليتى الآداب ودار العلوم التى بدأت مع طه حسين ومشكلة كتابه الشعر الجاهلى، ولم تنته إلى الآن، وللمصادفة غير السعيدة أن «أبوزيد» هاجم فى أبحاثه التى تقدم بها للترقية عملية النصب الكبرى التى تمت باسم الإسلام ومارستها شركات السعد والريان والهدى التى قال إنها لا مثيل لها ربما فى تاريخ البشرية، قائلا إن عملية النصب هذه لم يكن يمكن لها أن تحقق ما حققته دون تمهيد بخطاب يكرس للأسطورة والخرافة ويقتل العقل، وكانت الأسطورة أن التقوى تجلب البركة وتدر الربح الوفير وهى أسطورة وقع فى حبائلها الشيطانية لا العامة والأميون فقط بل المتعلمون والمثقفون والعلماء والاقتصاديون، ولسوء الحظ فقد كان الدكتور عبدالصبور شاهين نفسه مستشارا دينيا لشركة الريان، ولهذا كان من الواجب علميا وبحثيا وضميريا أن يعتذر الدكتور شاهين عن مناقشة الأبحاث وكتابة التقرير درءا للشبهات والتزاما بالموضوعية.

ظلم تاريخى تعرض له نصر حامد أبوزيد ومع ذلك لم يفقد إيمانه ولا اتزانه ومات وهو فى حالة أشبه بالوجد الصوفى والفناء فى الذات الإلهية، ذلك الذى يقول عنه إنه «كافر» وهو القائل: لا خلاف على أن الدين يجب أن يكون عنصرا أساسيا فى أى مشروع نهضة، وأنه كان يريد تطهير الدين من استغلاله بشكل نفعى من جانب «اليمين المحافظ» أو حتى من جانب اليسار الذى يدعى التجديد، ناقدا كلا المشروعين «اليمينى واليسارى» بنفس الحماسة والقوة والحجة، ساعيا للوصول إلى جوهر الدين بعد تحليله وفهمه وتأويله تأويلا ينفى عنه الأسطورة والخرافة ويستبقى ما فيه من قوة دافعة نحو التقدم والعدل والحرية؟ على حد قوله.

ذنبه أنه أراد تطهير التفاسير من الخرافات، التى تسىء للدين، كالقول مثلا إن القرآن كان مكتوبا فى اللوح المحفوظ، وكل حرف فيه مكتوب يقدر بحجم جبل «قاف» الذى يدور حول الكرة الأرضية، والذى لا وجود له إلا فى مخيلة المتصوفة، فهل هذه خرافات أم لا؟ وهل جاءت فى الكتاب أو السنة أم ابتكرتها العقول وأسست لتسرب الأسطورة فى الدين، إلا أن ذلك لم يعجب الدكتور عبدالصبور شاهين، وزعم أن «أبو زيد» ينكر الغيب، وكفره متمنيا من الله أن يجعل له الجنة ببركة هذا التقرير، برغم أن «أبو زيد» اجتهد قدر استطاعته فى تطهير الدين من الخرافات محاولا أن يقرأ القرآن بعيدا عن الأساطير والإسرائيليات التى الصقت به وشوهت معانيه الأصلية.






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة