حمدى الحسينى

من واشنطن.. أمريكا الغاضبة!

الخميس، 22 يوليو 2010 07:25 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لن أبالغ إذا قلت إن كتاب "أمريكا الضاحكة" لمصطفى أمين هو أكثر الكتب المحببة إلى نفسى.. كلما واجهتنى أزمة وشعرت بالضيق أرجع إلى هذا الكتاب الذى ينقلنى إلى عالم غريب ومختلف لم يعد له ظلٌ على أرض الواقع.. أسلوب مصطفى أمين المرح الساخر فى سرد رحلته الأولى وتجاربه فى شوارع أمريكا ورؤيته لهذه البلاد فى النصف الأول من القرن العشرين كفيل بإخراج أى شخص من ضغوط العمل والحياة.. أما كتاب "أمريكا.. الجنة والنار" لعادل حمودة هو استكمال لرحلة وصف أمريكا التى سبقه إليها مصطفى أمين وما بين الكاتبين يقف كتاب "سياحة غرامية" للعملاق الراحل محمود عوض.. من خلال الكتب الثلاثة تشكلت لدى خلفية نظرية عن تقلبات وتحولات السياسة والحياة الأمريكية فى القرن العشرين.. عموماً أنا الآن أسير فى شوارع واشنطن.. وجوه الناس متعبة مرهقة تختلف تماماً عن الوجوه التى قابلها وكتب عنها مصطفى أمين، وإن كانت ما تزال تحمل بقايا رضا مثل أبناء الذوات عندما تتبدل أحوالهم تبقى آثار وملامح العز مرسومة على وجوههم.. لم التقِ بأحدٍ إلا وكان حديث البنوك هو ثالثنا فنادراً ما تعثر على أمريكى خرج آمناً من الأزمة الاقتصادية الأخيرة.. الجميع هنا منهك من عبء القروض وفوائدها.. هذا أمر طبيعى بالنسبة لمن يقيمون على الأرض الأمريكية.. السكن والعقارات هى الكابوس الذى يلاحقهم ليلاً ونهاراً.. أغنى الأغنياء يقيمون فى بيوت مشتراة بقروض من البنوك.. هذه البيوت انخفض سعرها بنسبة بلغت حوالى 50% فى بعض الأحيان.. فالبيت الذى كان ثمنه مليون دولار أصبح الآن بنصف مليون وفى ظل استمرار الأزمة وبوادر عدم انفراجها الأمر مرشح لمزيد من التدهور.. البنوك ترفض تخفيض فوائدها رغم جهود إدارة أوباما لدعمهم وتقديم تسهيلات عديدة لها.. شاهدت فى برنامج 60 دقيقة شاباً وزوجته مهددين بالطرد من مسكنهما والإقامة فى الشارع ودخول السجن، لأن البيت انخفض سعره إلى النصف وأن ثمنه الحالى لن يغطى ديونهما للبنك والبنك يرفض النظر إلى مشكلتهما فى سياق الوضع القائم.. هذه مشكلة عامة لا تخص فئة محدودة، بل تصيب شريحة عريضة من المواطنين الأمريكيين، وهو ما يضاعف من تعقيد الموقف بالنسبة لإدارة أوباما، لأن الأمر خارج نطاق سيطرة أى حكومة وأى نظام.. فى ظل هذه الأزمة الطاحنة كان طبيعياً أن أشاهد فتاة حسناء تقف فى إشارة مرور تحمل فى يدها لافتة مكتوب عليها "ساعدونى أنا بلا مسكن" غير عابئة بالأمطار.. هذا المشهد أصبح متكرراً ولم يعد قاصراً على أشخاص معروفين بإدمان الخمر والمخدرات، بل إن شريحة من الأمريكيين مرشحون للوقوف فى إشارات المرور إذا لم يحدث تحول اقتصادى ينقذهم من ملاحقة وتهديد البنوك.. بالرغم من كل هذا فهناك من يتمسك بالابتسامة الدائمة وطبيعى أيضاً أن تلتقى فتاة لا تعرفها فى أحد المصاعد بالصدفة تواجهك بابتسامة وتودعك بمثلها مع إشارة يدها كأن بينكما صداقة وود قديم.. مع أن العقارات تشكل هماً وكابوساً دائماً على الأمريكيين لكن على الجانب الآخر من السهل أن تشعر بالوفرة فى كل شىء.. فمثلا أغلب المطاعم رخيصة الثمن جيدة الطعام فتدفع عشرة دولارات وتأكل وتشرب بلا حدود.. عبوات العصائر العادية تبدأ من اللتر وصاعدا، كذلك الأيس كريم.. كنت أتصور أن الأسعار فى أمريكا أغلى من باقى بلاد الدنيا.. فكانت دهشتى عظيمة عندما تبين لى العكس، بل تضاعفت هذه الدهشة، لأن أسعار السلع فى أمريكا أرخص من مصر فمثلاً جالون الحليب "4 لتر" ثمنه 2 ونصف دولار، الدجاجة المشوية وزن 2 كيلو تكفى أسرة مكونة من أربعة أفراد ثمنها لا يتجاوز 4 دولارات، اللحوم تتفاوت أسعارها لكنها أقل من نصف قيمتها فى مصر.. لو استثنينا أزمة السكن سنجد الحياة فى أمريكا أرخص من مصر بمراحل كبيرة، خاصة لو وضعنا فى الاعتبار نسبة البطالة والحد الأدنى للدخول فى البلدين.. موقف الإدارات الأمريكية المتعاقبة من قضية فلسطين ظل يشغلنى طوال الرحلة حتى وجدت من يشرح لى الموقف الأمريكى من هذه القضية الشائكة ببساطة ووضوح.
رئيس قسم الشئون العربية بمجلة روزاليوسف






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة