أمس حاول أحد الأشخاص سرقة حقيبة يد من سيدة بمنطقة العجوزة، وحينما صرخت فر مذعورا وجرى خلفه كل من تواجد فى الشارع، فى مشهد شهير جدا عنوانه "امسك حرامى".
حتى هذه اللحظة يبدو المشهد عاديا فهو يكاد يتكرر بشكل دائم، ثم لحق المواطنون باللص وانهالوا عليه ضربا، وهو أيضا مشهد عادى وقديم فى الشارع، أزعم أننى شاهدته أكثر من مرة وفى أكثر من مكان.. لكن غير العادى هو أن الناس ظلوا يضربون اللص حتى لقى مصرعه فى الشارع.
جميع الصحف نشرت الخبر ومفاده أن نحو عشرين مواطنا طاردوا اللص واعتدوا عليه بالضرب حتى مات، لكن الشروق كان لها رأى آخر، حيث كتبت أن ثلاثة مخبرين انهالوا ضربا على اللص حتى مات. ولا أعرف من أين استقت هذه المعلومات التى نسبتها لشهود عيان، بينما الصحف الأخرى ذكرت واقعة مغايرة وهى مطارة المارة للسارق والاعتداء عليه حتى الموت.
أنا شخصيا لا أصدق الشروق، ليس لأنها تفتقد المصداقية، إنما لأن الخبرة فى الشارع المصرى تقول إن السيناريو المعتاد فى مثل هذه الحالات قيام المواطنين بمطاردة اللص ومحاولة الإمساك به، والاعتداء عليه بالضرب، أى إنزال العقاب الفورى عليه، لكن لم يكن هذا السلوك يؤدى إلى الوفاة من قبل.
هذا الحادث بالمناسبة لا يختلف كثيرا عن مقتل مصرى فى قرية كترمايا اللبنانية على أيدى المواطنين المحليين بعد اتهامه بقتل طفلتين، فقد أخذه الأهالى من يد الشرطة وقاموا بالاعتداء عليه ضربا ثم شنقوه وهم يحتفلون بالانتقام.
وما حدث فى كترمايا وفى العجوزة، وربما فى بلدان أخرى مؤشر خطير، ليس فقط على انعدام ثقة الناس بالقانون، ولا بالسلطة المنوط بها تنفيذ هذا القانون، وإنما يعنى دون مبالغة انهيار فكرة الدولة لدى مواطنينا، والعودة لزمن القبائل والعشائر، وفتوات الحارات.
وحين تغيب سلطة الدولة، تسود شريعة الغاب، وإذا كنا نشكو من عدم تطبيق القوانين على أصحاب السلطة والثروة فى هذا البلد، فإن تنفيذ الانتقام الفورى، يعنى أيضا أن القانون سيغيب عن الجميع ويصبح بعد ذلك انتقائيا ويطبق على أضعف الناس وأفقرهم فقط.
قتيل العجوزة أمس سرق فى وضح النهار، لكنه فى النهاية مواطن، يستحق تحقيقا ومحاكمة عادلة، ولست أجيز السرقة، لكن ألم يتم تعطيل الحدود فى عام الرمادة، أليست هناك ظروف مخففة يأخذ بها القضاة فى أحكامهم، وقد يكون هذا السارق القتيل رغم جرم ما اقترفه كان فى حاجة ماسة لأى مال وضاقت به الدنيا وأعمته فلجأ إلى السرقة؟.. فهل سمعنا فى أى قانون أو شريعة سماوية أن عقوبة السرقة هى القتل؟