إبراهيم داود

أحزان مونديالية

الجمعة، 02 يوليو 2010 02:08 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ينتظر محبو كرة القدم المونديال كل أربع سنوات، يحملون فى جيوبهم جدول المباريات، ويحددون الفرق التى ينبغى أن تشاهد وهى تلعب، وهى الفرق التى نتذكر لها أهدافا طيبة، مع الوقت يضيع الجدول، وتختلط المجموعات، ويضبط كل واحد ساعته على المعادين المحددين فقط، يصبح الرأس مزدحما بالتمريرات الخاطئة، وبالأهداف التى شاهد (فى الماضى) أجمل منها، ونادرا ما تعلق فى ذهنه جملة جديدة، ولكنه يواصل المشاهدة حتى لا يفوته شىء، يأتى الموعد كل أربع سنوات لكى يبتعد محبو اللعبة عن الحياة خارج الملعب، يمر على الأخبار فى الصحف كأنها لا تعنيه، فى الأسبوع الماضى اندلعت فى مصر حرائق كثيرة خارج المستطيل الأخضر، بين القضاة والمحامين، فى سوق التونسى، قتل خالد سعيد فى الإسكندرية مع سبق الإصرار، اشتعلت الخلافات بين دول حوض النيل من جديد، مراقبو الثانوية العامة تساقطوا تباعا، اكتشفوا أن عقد مدينتى باطل، وأيضا أرض التحرير وآمون، تزوير الشورى، قداسة البابا اعتبر نفسه فوق الدولة ورفض أحكامها، جوائز الدولة خرجت من الأدراج مثل كل عام، تصحبها الإشادات نفسها والانتقادات نفسها، درجات الحرارة المرتفعة جعلت الكلام فى الصحف لزجا، وبائتا، دورى الشركات فى مصر تمت إذاعته فضائيا، لأن قنوات أسامة الشيخ الأرضية «عندها ضيوف»، ولم ينجح المونديال فى جلب نسمة هواء، اللاعبون الكبار يخافون على أنفسهم حتى لا تغضب أنديتهم، القوى العظمى غير قادرة على الحسم، والقوى الصاعدة تجرى كثيرا، فى الدور الأول كثر الكلام وقل اللعب، ومات فاروق عبدالقادر الناقد الكبير بعد ليلة من إعلان فوزه بجائزة التفوق «السلطانية» (التى حصل عليها خالد جلال)، والتى يعرف مانحوها أن عبدالقادر أكبر منها ومن كل الجوائز، جمهور الكرة لم يعرف أن الراحل كان «مدافعا» عظيما عن الحق، لم يسمح للمتسللين بإحراز أهداف تسىء إلى شباك الثقافة المصرية النظيفة، موت فاروق عبدالقادر أستاذى وصديقى أفسد على المشاهدة التى أحتشد لها منذ أربع سنوات، لم أتمكن من اللهاث خلف الكرة فى الملعب، لأننى تذكرت أهدافه الرائعة فى شباك السلطة الثقافية الفاسدة، وفى شباك عديمى الموهبة الذين يغرقهم النظام بمحبته، تذكرته بنظارته السميكة ونظراته العطوفة وجديته المحببة، لم يضع إصبعه تحت ضرس أحد، وعاش نظيف اليد والثوب، حارسا على ضمير ثقافى محاصر، عندما قال أسامة الرحيمى الخبر، شعرت بخوف حقيقى، لأن الرجل لم يكن ناقدا مسرحيا وروائيا ومترجما فقط، كان معنى عظيما، لم ينجح أحد فى تأميمه، لم أشاهد ليلتها مباراة التاسعة والنصف، وذهبت إلى المكان الذى تعرفت عليه فيه قبل أكثر من ربع قرن، لم يكن المكان حزينا كما توقعت، ولم يكن الرواد مستمتعين بمشاهدة المباراة، هناك عرفت أيضا أن محمد عفيفى مطر (الذى تعرفت عليه مع فاروق عبدالقادر ومهران السيد وفتحى سعيد وعبدالوهاب الأسوانى وبدر توفيق ومصطفى مجاهد فى الليلة نفسها وغمرونى بمحبتهم بعد ذلك)، عرفت أن الشاعر الكبير يرقد فى مستشفى منوف المركزى... فى غيبوبة! عفيفى الشاعر الذى عذبه النظام وحاصره، ولكنه لم يقدر على محاصرة قصيدته الجديدة القديمة، ولا على عرقلة خطواته الرشيقة فى الحياة، عفيفى وفاروق يشبهان الأحلام المؤجلة، شجرتان يكفى ظلهما ويفيض، لأنهما عاشا صادقين ولم يحتملهما الكذب المحيط.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة