سيظل هدهد سليمان، أولنقُل "إمام المراسلين" المتفرد فى أداء مهمته الصحفية التى كُلـّـف بها، وستظل صياغته للنبأ الذى بثـّـه من وكالة أنباء "سليمان الحكيم"، النموذج الكامل لما يجب أن تتضمنه معلومات تجيب على الأسئلة التى وضعها أساتذة الصحافة فى عصرنا، كوكيل يهتدى به المبتدءون فى عالم الصحافة.
وبنظرة تأمل فاحصة نجد الآيات من 20 إلى 29 من سورة النمل قد احتوت على العديد من مواطن الكمال فى الآداء الصحفى، وأولها الصرامة الشديدة "لدى سليمان" فى محاسبة مراسليه إذا ما تقاعسوا أو أهملوا أو أساءوا إلى مهنتهم السامية فيقول بعد أن تفقد جنده ومعاونيه "مالى لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين* لأعذبنه عذاباً شديداً أو لأذبحنّه أو ليأتينـّى بسلطان مبين"، ولن يكون التهديد والوعيد إلا بكبيرة قد يفعلهاالهدهد.. ومنها غفلته عما هو منوط به، والأهم من ذلك هو التفرد "أو الانفراد" الذى هو دليل نجاح المراسل الصحفى.. لذا كان جواب "إمام المراسلين" جواباً حازماً وجريئاً ومميزاً "فمكث غير بعيد فقال أحطتّ بما لم تًحط به وجئتك من سسبأ بنبأ يقين".
جلس الهدهد على مقربة من سليمان دليلاً على ثقته بنفسه ليقوله بجُرأة: إننى علمت بما لم يعلمك به أحد غيرى من الطيور، ليس هذا فحسب، "وـ لكنى ـ جئتك" بنفسى ولم يقل: سمعت أحداً يقول كذا أو نقلت عن أحد كذا أو لم يكن هذا النبأ وهمياً من تلفيقى ليخرج عن موقفه مع سليمان حيث التهديد والوعيد.
ثم كان البيان الواضح على تفرده كإمام للمراسلين ليحدّد المكان، مكان النبأ وفى صياغة موجزة جامعة، شاملة فى خمس كلمات هن المانشيت "وجئتك من سبأ بنبأ يقين"، ثم يفصل ما أجمله فى المانشيت السابق، مؤكداً روايته "إنّى وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شىء ولها عرش عظيم"، ثم يجدد مرة أخرى مادة "وـ ج ـ د" فى قوله "وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله وزيّن لهم الشيطان أعمالهم فصدّهم عن السبيل فهم لا يهتدون*ألاّ يسجدوا لله الى يخرج الخبء فى السماوات والأرض ويعلم ما تخفون وما تعلنون* الله لا إله إلاّ هو ربّ العرش العظيم".
وهكذا لم يكن ناقلاً للنبأ وفقط، لكنه كان محللاً عبقرياً بارعاً لما رآه وموضحاً لأبعاد خطورته خاصة إذا كان مكمن الخطورة يتمثل فى الشرك بالله والسجود لغيره، هذا الأمر الذى لم يصدق سليمان، مما يعد نجاحاً باهراً لإمام المراسلين، مما دفع سليمان ليقول: "... سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين* اذهب بكتابى هذا فألقه إليهم ثم تولّ عنهم فانظر ماذا يرجعون"، ولتأتِ النتيجة على لسان بلقيس "... يا أيها الملأ إنى أُلقىَ إلىّ كتابٌ كريم..."،
وهكذا كان الاختبار الصعب من سليمان لمراسله ليتأكدّ من صدق النبأ.. وهذا نموذج آخر يعطيه سليمان لمن يتولى أمر أى مؤسسة إعلامية مرئية كانت، أو مقروءة، أو مسموعة أن يتحرى من صدق النبأ قبل إذاعته وأن يختبر مراسليه أكثر من مرة حتى يكون محل ثقته وثقة جماهيره فى مؤسسته.. وكان "إمام المراسلين" محل هذه الثقة، الأمر الذى تأكد من بقول بلقيس: "ياأيها الملأ إنّى القى الىّ كتاب كريم*إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم*ألاّ تعلوا علىّ وأتونى مسلمين" إلى آخر هذه القصة وأسوق هذا النموذج لإمام المراسلين ليكون القدوة المثلى لمراسلى القنوات الإخبارية أو الصحف أو المحطات الإذاعية التى احترف بعضهم السمع والنقل بل الفبركة..فها نحن نسمع عن مراسل يقلب خبراً قرأه فى جريدة ثم ينسبه إليه وآخر ينقل خبراً عن زميله ثم ينشره فى أكثر من جريدة بصيغات مختلفة وبأسماء مستعارة وأتساءل ماذا لو كان تعاملهم مع سليمان الحكيم ألم يكن العذاب الشديد أو الذبح الذى توعد به سليمان هذا هو جزاؤهم.. فهل عادوا إلى رشدهم قبل أن يذبحوا.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة