هنا لن تشهد ضوضاء أو عربات، فالسكون والوحشة وحدهما هنا، فى المجاورة 32 بمنطقة 15 مايو، حيث يقطن أسر عزبة بلال بالشرابية الذين حرقت منازلهم، ونقلتهم الحكومة لمساكن 15 مايو، ووعدتهم بتعويض 8 آلاف جنيه، إلا أنها تركتهم بدون أى شىء.
14 شهرا هى المدة التى قضاها سكان عزبة بلال حتى الآن، توسموا بانتقالهم لمايو أن تنفرج مشكلاتهم، إلا أنهم وجدوا أنفسهم متورطين فى مشاكل أكبر.
خالد محمد أحد سكان المنطقة والذى قادنا بدوره إلى بقية جيرانه: "أنا كنت على باب الله بشتغل فى مخازن الخشب هناك وكنت عايش مع ولادى، وحياتى زى الفل لحد ما لقينا مرة واحدة كل حاجة بتضيع قدام عنينا، لقينا بيوتنا ومخازننا بتتحرق، ورزقنا بيقف مرة واحدة، أنا من ساعتها وأنا بشتغل فى سوق العبور، بشيل بضاعة وبشتغل مع التجار فى أى حاجة تجيب فلوس وماشى رزقى يوم بيوم، يومية عم خالد لا تزيد عن 15 جنيها فى اليوم أو "حسب ما ربك يسهلها".
يتوقف خالد برهة، ويكمل: "دلوقتى هوريكى مأساة بجد"، وبعدها صحبنا خالد إلى شقة أحد السكان، والذى اضطرته ظروف الحياة الصعبة إلى الانتحار منذ شهر تقريبا، حيث دخل إلى البلكونة وقفز منها فلقى حتفه فى الحال، وهناك لم نجد أحدا فى شقة المنتحر، أو بالأصح غرفته، حيث تقطن معه أخته وعائلتها، وجدنا الشقة خاوية من أى شىء سوى "كنبتين خشبيتين"، وثلاجة، هذه هى مكونات البيت!
فتحية عبد المنعم، إحدى الساكنات فى المجاورة، 40 سنة معها ابنها المصاب بضمور فى المخ والذى أثر على كل أجزاء جسمه بصورة تمنعه من الحركة، تقول: "المرض أصابه منذ ولادته، وليس له علاج فى مصر، نحن فقط نحصل على الأدوية المنشطة لخلايا المخ من خلال عدد من الجمعيات الخيرية فى المنطقة".
حياة فتحية انقلبت رأسا على عقب بعد الحريق، وكما تؤكد: "زوجى كان يعمل فى الشرابية"، عتال، يحمل الأخشاب، وبعد أن فقد عمله لم يجد شىء يقوم به سوى أن يعمل "سواق" فى نقل أى نقلة حتى لو كانت بسيطة، إحنا حالتنا بقت كرب من ساعة ما جينا هنا، ولا لاقيين شغل ولا حاجة ده حتى هنا مفيش حاجة نشتغلها، أنا كنت هناك بشتغل أى حاجة لكن هنا هشتغل أيه، واللى زاد وغطى أن الحكومة دلوقتى طالبة مننا 1200 جنيه إيجار للشقة اللى احنا قاعدين فيها، ودول هنجيبهم منين، الكلام ده كان مفاجأة سيئة لنا كلنا، لأنهم قالوا لنا إن الشقق ببلاش، ده غير إننا ما أخدناش التعويض".
وهنا يتدخل الحاج محمد أحمد فى الحديث، ويضيف: "إحنا فقدنا كل حاجة فى الحريق، بيوتنا، ومخازننا وكل حاجة، أنا كان عندى مخازن وعمال كله راح، أنا مش هنسى وإحنا ماشيين، ومعناش غير كيس عيش فاضى، وبتوع الحى أدونا حتة جبنة ناكلها مع العيش"!!
لم يتبقى لعم محمد سوى نسخة من مجلة "البيت" التى يحتفظ بها منذ سنوات طويلة، عندما قامت المجلة بتصوير مخازن الخشب الخاصة به قبل الحريق، مملكة التراث القديم، "كما كان يحب أن يطلق عليها دائما".
أما عم ربيع محمد، أقدم سكان المنطقة ويبلغ من العمر65 سنة، فقد كان يعمل فى البلدية ثم جاء الحريق وقضى على كل شىء، يقول: "شقى عمرى كله، مكافأة نهاية الخدمة اللى خدتها من 50 ألف جنيه، راحت فى الحريق ومن ساعتها وأنا قاعد لا شغلة ولا مشغلة، حتى المعاش اللى باخده لا يزيد عن 400 جنيه وهو مبلغ زهيد، لا يكفى للحياة".
أما الحاجة فهيمة، فحالتها هى الأكثر بؤسا، حيث تقطن وحدها فى شقة شبه خاوية من أى شىء، حتى من أقاربها، وأبنائها الذين تزوجوا وتركوها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة