وهـا قد انقضى مولـد "المونـديـال" بحـلوه ومـره، متزينـاً بختـام يليـق بالقــارة السمـراء التى احتضنت فعاليـاته طوال شهـر كـامل، لتبين للعالم بأسره أن هنـاك ثقـافـات أخـرى تستطيع وتستحـق أن تضع بصمتها فى مختـلف المحـافل العالمية، وليس فقط فى عرس "كرة القدم" العالمى.
ولكن ما استوقفنى بحق فى نهاية هذا الحـدث مشهد الختام الذى تزينت به ملاعب جنـوب إفريقيـا ليس فقط على صعيد الإمكـانات والترتيبات الهائلة التى عكست مشهـداً مشرفاً للقـارة.. وإنما أيضـا تلك اللوحـة التى استطـاع رسمها كل من شـارك فى هذه الاحتفـالية لاعبو الفريقين على وجـه الخصوص والذين احتفل فيهم من احتفـل.. وحزن منهم من حـزن، لكن الأهم أنهم حتى فى اعتراضاتهم اتسموا بقمة الأنـاقة والليـاقة "الشخصيـة قبل البدنيـة".
تذكرت كل هـذا وأنا أشـاهد إعلان طلب استضافة دولة عربيـة لإقـامة المونديال، وعلى الرغم من السباق الهائل مع الزمن ومع الظروف الذى استطاعت قطـر التغلب على جزء كبير منه، إلا أن السؤال الذى بقى عالقـاً فى ذهنى فترة بعـد نهاية الإعلان: هل فعلاً وصلنا إلى مرحلة القدرة على استضـافة حدث بهذه الضخـامة..!؟
لسـت هنا أتحـدث عن إمكانات مادية.. أو تسخير للظروف المحيطة، وإنما على مستوى الثقـافة لدى رجل الشـارع الذى أثبتت الأيـام أنه لا ينظر لمباراة كرة قدم على أنها حدث رياضى يستحق المثابـرة من أجل إعـلاء الروح المعنوية ومحطـة استجمام قبل الشروع فى العمل الجاد من جديد. وتحـول الأمر إلى أشبـه بمن يجاهد فى ساحات الوغى لإعلاء راية بلاده وتحريرها من قوى الاستعمار، وكأن كرة القدم هى التى ستعيد لنا ذلك المجـد المفقـود فى المجالات الأخرى، "شـوف الناس كيفـاش زاهية.. شوف الناس كيفـاش تلعب".. مر بأذنى صــوت الرائعــة "سعـاد ماسى" وهى تشدو بهذه الكلمات بينما أتابع المبـاراة النهائية بين الإسبـان والهولنديين. وكأنما كان هذا الصـوت "الجزائرى" الخلاب يرسل لى "شخصيـاً" رسـالة العتاب هذه للحـال الذى آل إليه كل منـّـا بحيث أصبحت انتصـارات كرة القدم الملاذ الأخير الذى نتشبث به للهروب من نقـاط الفشـل المتكررة فى كـافة مجالاتنا على الصعيد العربى.
لقد جسد اللاعبون بحق – حتى فى أقصى أوقات امتعاضهم أو اعتراضهم- صورة راقيـة من التفاعل مع قيمة الحدث، وكأنى بهم فى قمة الانفعال لا يريدون إفسـاد هذه الليلـة لعلمهم بالقيمة التى يمثلها لأصحابها.. وللعالم أجمع.. ترى ماذا لو كـان هذا النهائى بكل ظروفه وأحداثه بين طرفين عربيين..!؟
أنـا واثق أن الإسبـان قضوا ليلة من ليالى العمر، لكنهم اتخذوا من هذا الانتصـار دافعـاً من أجل يوم جديد سيبدأ بالعمل والجهـد، وواثق أيضـاً أن ذلك الإحبـاط الذى أصيب به الهولنديون سيدفعـهم لإفـراغ كل تلك الطاقات المتفجرة والحانقة داخل مصانعهم، وسيبذل كل واحد منهم جهداً إضافيـا فى تلك المزارع ليتمكن من تصدير أجــود أنــواع "السمـن" لنا، فبـعد كل هذا الشـد العصبى قبل وأثنـاء المباراة استمرت الانفعالات فترة من الليل لا بأس بها، ليخلد كل هؤلاء إلى النوم على أمل حدث آخـر فى حياتهم مع بزوغ فجر اليوم الجديد.
ربمـا أكــون متحــاملاً بعض الشىء فى هذه النقـد لتصـرف العقلية العربية مع الأحــداث وتحميلهم للأمور أكبر من طاقتها، وربما أكـــون المخطئ فعــلاً عندما أحــاول سلبهم الانتصــار الوحيــد الذى يتكئ عليـه أبــناء هذا الوطن العربى الكبير بين فينـة وأخــرى، بعــدمـا أصبح الهـدف الوحيـد الذى يمكنهم إحرازه لا يخرج عن إطار "الثــلاث خشــبــات"..
أحمد مدنى يكتب: شوف الناس كيف زاهية.. شوف الناس كيف تلعب!!
الأحد، 18 يوليو 2010 12:34 م
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة