منذ دخول الدكتور محمد البرادعى، المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، والحاصل على جائزة نوبل مناصفة مع الوكالة تقديرا للوكالة على دورها الواضح للجميع خلال فترة عمل الدكتور البرادعى مديرا لها، مما كان له أثر كبير فى حسم أمور هامة من الصراع العالمى، وخاصة فى المجال النووى ومجال الطاقة الذرية وأسلحة الدمار الشامل، إلى معترك الحياة السياسية الداخلية فى مصر، والذى وصفه الكثير من المراقبين والمهتمين بالشأن الداخلى المصرى "بالفجأة".
هذه الفجأة السياسية جعلت التركيز كبيرا من المتابعين لبرنامج الدكتور محمد البرادعى وشغوفين بما يمكن أن تصل إليه الحملة الإعلامية الضخمة التى صاحبت بداية ظهور الرجل فى الحياة السياسية الداخلية المصرية، والتى كان رصيده فيها صفرا مذكرا سالما صحيحا لم يشكك فيه أحد، وهذا الصفر هو الذى جعلنى شخصيا أتابع برامج الدكتور متابعة جيدة، وخاصة أننا فى فترة مهمة من فترات كتابة التاريخ السياسى المصرى، وكأى مصرى متابع زاد التركيز على متابعة برامج الدكتور محمد البرادعى، وخاصة لأن دخوله جاء محيرا بعض الشىء على الأقل لأمثالى فلم أقتنع كثيرا بما عرض فى البداية، لأن باب الترشيح لانتخابات الرئاسة لم يكن مغلقا فى وجه أحد، وخاصة عند إبداء الرغبة للانضمام لأى حزب سياسى، فيكون ساعتها من الأمور السهلة ورغم ذلك يتبقى أقل من ستين يوما على انتهاء فرصة انضمامه لأى حزب والترشيح من خلال الحزب لانتخابات الرئاسة وهذه هى النقطة الأساسية المحيرة فى الأمر.
تكلم الدكتور محمد البرادعى كثيرا للصحف والتليفزيونات ووكالات الأنباء بكل حرية ولم يقف عند سقف فى أحاديثه وتابع الكثير من الشباب الذين تحمسوا معه فى البداية عندما أعلن رغبته فى التغيير وكان عنوانا جذابا لهؤلاء الشباب ونسى الدكتور محمد البرادعى أن هؤلاء الشباب متابعين جيدا لكل أحاديثه ويربطون تماما بينها وبين الهدف المعلن، وهو التغيير،
فتحدث كثيرا ولم يكن الحديث مؤثرا بالدرجة التى توقعها الكثيرون.
ولكن على الجانب الآخر، كان هناك سكوت غريب جدا فى مواقف تحتم عليه فيها الكلام طالما وضع نفسه هذا الموضع ورفع هذا الشعار، وهو التغيير، ولكننا وجدنا سكوتا غريبا كأنه لم يشهد الحدث وهذا السكوت سحب الكثير من المتحمسين له من الأستمرار فى التأييد الأعمى والانسحاب بهدوء تام وهناك بعض حالات الانسحاب المعلن إلا أن الحكمة فى مثل هذه المواقف تتطلب الانسحاب فى هدوء، خاصة أن الشعار يحتم على الجميع احترامه حتى لا يفهم البعض أن المنسحب ضد التغيير لأنهم وضعوها فى البداية مسألة مع أو ضد وهذا من الخطأ السياسى الكبير لتلك الحملة.
سكت الدكتور محمد البرادعى وكنا نتمنى جميعا أن يتكلم ولو تكلم لربح كثيرا ولكن للأسف لأول مرة لا يكون السكوت من ذهب.
من المواقف التى كنا نتمنى أن يتكلم فيها هو حادث الاعتداء على سيارة الترحيلات فى العياط من قبل تجار المخدرات على رجال الشرطة ويروح ضحية الاعتداء شاب فى مقتبل العمر وهو المجند الشاب محمد خليفة راح وهو يؤدى عمله فى لحظة من لحظات حماية الوطن من المجرمين والمخربين والمنحرفين وهنا يكون التصريح بكلمة أو كلمتين برفض هذا الاعتداء.
فالسكوت فى هذا الموقف من قبل الدكتور لم يعدل كفة الميزان طالما نادى بالتغيير وخرج فعلا إلى الشارع وتظاهر مع الشباب وصرح وشجب وقال كل ما لديه فى حادث مقتل الشاب خالد فكاد الميزان أن يستقيم لو صرحت وشجبت وخرجت أيضا فى حادث مقتل محمد خليفة.
سكت أيضا ولم يقم بزيارة أسرة الشاب محمد خليفة على غرار زيارته لأسرة الشاب خالد الذى ترك أما حزينة عليه بينما الشاب محمد ترك أما وأبا وزوجة وثلاث بنات فى عمر الطفولة لن تخسر شيئا أن تجلس وسط الأطفال الثلاثة وتأخذ صورة يحتفظوا بها للزمن بدلا من أن يكبروا ويتذكروا صورتك مع أسرة الشاب خالد ويقولون أبونا مات فى نفس الشهر ولم يأخذ بخاطرنا وكان وقتها ينادى بالتغيير هل هذا هو التغيير أم أن المسألة مسألة مصالح وهؤلاء لم نتصادف معهم المصلحة عموما التاريخ يسجل والبنات تكبر.
سكت أيضا دكتور محمد البرادعى عندما فاز السيد البدوى رئيسا لحزب الوفد فى انتخابات أشبه بالنموذجية للمؤسسات الديمقراطية فى العالم ومرت كأنها أشبه بالحلم ولن ينسى التاريخ هذا الموقف عندما خرج السيد البدوى ومحمود أباظة من غرقة فرز الأصوات متشابك الأيدى بعد إعلان النتيجة فى مشهد يؤكد أن التغيير بدأ فى مصر بالفعل منذ زمن وهذه إحدى ثماره لحظة من لحظات التغيير فى مصر كانت تستحق من الدكتور البرادعى عدم السكوت، حيث بإمكانه استغلال الموقف وأن يدلى بتصريح أو بآخر تتناقله وكالات الأنباء إلى أصدقائه خارج مصر كى يعرفوا إلى أين وصلت الأمور فى مصر بدلا من تصريحات تحمل عناوين مصر دولة فاشلة كل يوم وهذه التصريحات تؤلم الكثير ولكن نظرا لما وصلنا إليه فعلا من تغيير فلم يشعر أحد بخطورة تللك التصريحات.
عموما انتخابات حزب الوفد كانت معلنة على الملأ وتظهر حقا حجم التغيير والوعى السياسى لدى المواطن المصرى بعد أن كنا بالأمس القريب نسمع أصوات الأعيرة النارية وهذا تغيير يستحق الإشادة به يا دكتور وليس السكوت.
سكت أيضا الدكتور البرادعى عندما أعلن الدكتور نظيف رئيس الوزراء بيانا رسميا لرؤساء تحرير الصحف أن مصر أحد ثلاث دول فقط فى العالم حدث فيها نموا إيجابيا فى ظل الأزمة المالية العالمية هذا البيان وهذا التصريح وسام على صدر كل شرفاء الوطن الذين يعملون ليل نهار بدون طلب منة من أحد لم نصل إلى هذه المرحلة من فراغ يا دكتور إلا بعد حدوث تغيير فعلا وتغيير حقيقى يا دكتور بدأه رواد التغيير الحقيقيون وهذه هى النتيجة التى كنا نتمنى ألا تقابلها بالسكوت وتصلت عليها الضوء حتى يشكرك كل من ساهم بالجهد والعرق للوصول إلى هذه النتيجة بدلا من التركيز على إحصائيات تحبط الشاب المصرى فقط ليل نهار، خصوصا أنت تعرف سقوط اليونان يا دكتور وليس هناك أحد كبير على السقوط ولكن بفضل سواعد الساهرين المخلصين وصلنا لهذا الإنجاز وياريتك تكلمت ولم تسكت.
من قبل اتهمك العراقيون يا دكتور بالسكوت مرتين فلم يكن السكوت جديدا وكان هذا السكوت من وجهة نظرهم القشة التى قصمت ظهر البعير.
المرة الأولى عندما صرح رئيس الوزراء البريطانى تونى بلير "كذبا" بأن العراق على وشك الآن إنتاج قنبلة نووية وهذه هى اللحظة التى لا تحتاج من الدكتور البرادعى السكوت من وجهة نظر العراقيين، فهم يرون أنه لو لم يسكت وكذب هذا الكلام من منطلق منصبه وتقاريره التى تؤكد أن العراق بعيد تماما عن ذلك لأنقذ العراق مما حدث ولما استطاع بوش وبلير أن يخدعا العالم ويكون العراق هو الضحية.
المرة الثانية، عندما أعلن كولن باول فى مجلس الأمن أن العراق يملك شاحنتين فيهما مصنعا لإنتاج قنابل نووية وخدع العالم بنشر صور قيل إنها ملتقطة عبر أقمارهم الفضائية لهاتين الشاحنتين وسكت البرادعى فى تلك اللحظة التاريخية من لحظات خداع العالم فهم العراقيون يرون أن البرادعى لو تكلم وقتها أعلن أن العراق خالية تماما من تلك الأنشطة لتغير الحال وأحبط محاولة خداع العالم، خاصة أن كولن باول نفسه اعتذر للعالم أجمع فيما بعد عن كذبته ولكن بعد فوات الأوان ولكنهم أخذوا على البرادعى سكوته فى تلك اللحظة التاريخية.
ونحن هنا فى مصر هل من الممكن أن يكون هذا السكوت المتكرر من مسببات الضرر لهذا الشعب الكريم طالما هناك شحن نفسى للشباب فى اتجاه واحد دون اعتدال لكفة الميزان والتى لا تحتاج أثناء لحظات كتابة التاريخ سوى الكلام وعدم السكوت ولكن الكلام بالعدل وعدم الميل فى كفة واحدة وهذا حقنا عليك أن نستوضح منك هذا السكوت طالما أردت لنفسك أن تكون جزءا من الشارع المصرى فتحملنا وياريت عدم السكوت قبل أن يفوت.
صفاء الدين عبد الرحمن يكتب: ساكت ليه يا برادعى؟
الجمعة، 16 يوليو 2010 10:32 م
الدكتور محمد البرادعى
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة