◄◄ مصر تنجح فى اختراق إثيوبيا وأوغندا بعودة أمانة دول حوض النيل إلى القاهرة
هل نجحت الدبلوماسية المصرية فى تفتيت دول حوض النيل وتحييد بعضها؟! بعد شهرين من انقلاب هذه الدول على القاهرة، والمطالبة بإعادة تقسيم مياه النيل؟ هذا السؤال فرض نفسه بعد تراجع إثيوبيا عن موقفها، وتأكيد رئيس وزرائها ميليس زيناوى أن حكومته لن تقوم بأى خطوة أو مشروع يهدد أمن مصر المائى، مستطردا أنه لا توجد هناك أى إمكانية لوقوع قلاقل بين البلدين، لأن العلاقة بين مصر وإثيوبيا أشبه بعلاقة الزواج التى لا تقبل الطلاق أبدا، لكنها تواجه أحيانا بعض التوترات وتارة تسير بشكل طيب، لكنها فى كل الأحوال قوية وصلبة وتمتد جذورها إلى عصور طويلة.
ومن أديس أبابا إلى كمبالا نجحت الجهود المصرية فى اختراق الموقف الأوغندى، وقالت مصادر مطلعة إن ترتيبات تجرى الآن بين مصر وأوغندا لزيارة يقوم بها الرئيس مبارك إلى العاصمة كمبالا نهاية يوليو الجارى لرئاسة وفد مصر فى القمة الأفريقية، التى من المتوقع أن تشهد نشاطا مصريا موسعا مع دول حوض النيل بعد توقيع 5 منهم على اتفاق إطارى لازالت مصر والسودان ترفضان الاعتراف به.
تأتى ترتيبات رئاسة مبارك لوفد مصر فى ظل التحرك المصرى المكثف لإقناع دول الحوض بالاستمرار فى مفاوضات إنشاء مفوضية لدول الحوض، على أن يقترن ذلك بالتحرك فى خطط التنمية المشتركة التى تتيح الاستفادة بأكبر قدر ممكن من التعاون بين دول الحوض.
بدأت التحركات المصرية بزيارة الوفد الوزارى الأخيرة برئاسة أحمد أبوالغيط وزير الخارجية والسفيرة فايزة أبوالنجا وزيرة التعاون الدولى إلى العاصمة الإثيوبية أديس أبابا.
ورغم كثرة الحديث عن الاختراق المصرى للموقف الإثيوبى، فإن السفير حسام زكى المتحدث باسم وزارة الخارجية يرفض توصيف ما حدث بأنه اختراق، وقال، «الأمر ليس كذلك، فليس مطروحا أن تتراجع أى دولة عن توقيعها على أى وثيقة، وإنما المطروح من وجهة نظرنا أن نرى كيف يمكن أن نعالج سويا الوضع الحالى، فهناك أفكار أو مقترحات يمكن أن تطرح ما بين الدول لكى نخرج من الطريق المسدود الحالى».
زكى أشار إلى أن مصر تحتاج إلى تكثيف الحوار، وإلى عمل دؤوب من أجل أن تصل إلى نقطة يكون فيها كل الأطراف راضين عما وصلوا إليه.
ولفت زكى إلى التواصل المصرى مع بقية دول حوض النيل، موضحا أن هناك عملا يتم مع الجميع، وتواصلا مصريا مع دول حوض النيل، نافيا فى الوقت ذاته أن يكون هناك تركيز مصرى على إثيوبيا فقط على حساب بقية دول الحوض، وقال: إن «التركيز المصرى ليس فقط على إثيوبيا فهناك قنوات مفتوحة مع الجميع، لكن فى المقابل يجب أن نعلم حجم التأثير الإثيوبى على المياه التى تصل إلى مصر بشكل طبيعى، فالأغلبية تأتى من إثيوبيا، وبالتالى لابد أن تحظى باهتمام أكثر».
ويبدو أن الجهود المكثفة التى قامت بها الدبلوماسية المصرية منذ توقيع خمس من دول منابع النيل فى 14 مايو الماضى فى مدينة عنتيبى الأوغندية اتفاقية جديدة حول تقاسم مياه النيل فى غياب دولتى المصب مصر والسودان كانت بمثابة كلمة السر فى التغير الذى طرأ على موقف زيناوى، حيث نجحت هذه الجهود فى خروج قرار من المجلس الوزارى لدول حوض النيل فى ختام اجتماعاته بأديس أبابا فى اختيار الدكتور وائل محمد خيرى نائب رئيس قطاع مياه النيل المصرى مديرا تنفيذيا لسكرتارية مبادرة حوض النيل لمدة عامين اعتبارا من ديسمبر القادم.
الخبراء من جانبهم أكدوا نجاح الجهود المصرية فى سحب فتيل الحرب على المياه، فالدكتور مغاورى شحاتة رئيس جامعة المنوفية سابقا أوضح أن أوضاع دول حوض النيل كانت مستقرة وهادئة، وكان هناك تعاون وثيق فيما بينهم، لكن فجأة تحول الموقف بسبب التدخلات الخارجية من بعض الدول، مشيرا إلى أن هذه التحولات كان لها سابق إنذار، وبرزت مؤشرات سبقت هذه التحولات والتى انفجرت على أثرها الأزمة الأخيرة بين دول الحوض.
وأشار شحاتة إلى أن التصريحات المتشددة التى أطلقها رئيس الوزراء الإثيوبى ميليس زيناوى كانت تعكس موقفا سياسيا متشددا تجاه مصر، لكن شحاتة استبعد نشوب حرب بين مصر والسودان من جانب وباقى دول الحوض من جانب آخر، وقال: نستبعد الحرب على مياه النيل، لأن السبب الرئيسى الذى من الممكن أن يفجر الحرب يتمثل فى سعى هذه الدول إلى منع المياه عن مصر، وهذا مستحيل حدوثه لأن مرور مياه النيل من الجنوب إلى الشمال أمر إجبارى واضطرارى لا يمكن لهذه الدول منعه.
واستطرد شحاتة قائلا: إن إثيوبيا وباقى دول المنبع تواجه أزمة حقيقية أجبرت من خلالها على قبول التهدئة مع مصر، حيث إن هذه الدول أيقنت تماما أن إنشاء السدود لن يعود بفائدة، والدليل أن سد تيكيزى لم يعد مناسبا لتوليد الكهرباء، هذا إلى جانب انهيار سد زد تو الذى أنشئ حديثاً، كما أن الظروف والعوامل الجيولوجية ليست فى صالح دول المنبع، لأن هذه العوامل تمنع إقامة مشاريع على النيل، وبالتالى رأت إثيوبيا أنه لا مجال لاتخاذ مواقف متشددة، ورأت قبول التهدئة والتعاون مع مصر.
ومن جانبه أكد روبير إسكندر سفير مصر السابق فى إثيوبيا أن الخلافات الأخيرة التى طفت على السطح بين مصر ودول الحوض حول «الاتفاقيات الإطارية»، سوف تنتهى دون حرب، لأن هذه الدول تعى جيدا أن الاتفاقيات التى توقعها بعيدة تماما عن الشرعية الدولية وعليها السعى للتقارب مع مصر.
وأضاف روبير أن دول الحوض تخالف قرارات المحكمة الدولية التى تقر أن هذه الدول بتوقيعها على الاتفاقيات الإطارية مؤخرا، بدون موافقة مصر والسودان، غير شرعية لأنها تتعارض مع نصوص الاتفاقيات الدولية.
وأشاد روبير بالتحركات المصرية الأخيرة التى قام بها أحمد أبوالغيط وفايزة أبوالنجا وزيرة التعاون الدولى فى إثيوبيا، مؤكدا أنها تحركات طبيعية وتعيد لمصر مكانتها فى تلك الدول، ولفت إلى ضرورة عدم الخوف مما يثار حول أزمة المياه، وأن ما يقال حول نشوب حرب بين مصر ودول الحوض شائعات ليس لها أساس من الصحة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة