من المسلم به أن القضاء يجب أن يظل بعيدا كل البعد عن التأثير بطريقة أو بأخرى على الرأى العام خصوصا إذا ما تعلق الأمر بملف مكلف به لمتابعته وإصدار الحكم عليه، وهذا الأمر لا يتعلق بدولة معينة أو قاض معين أو ملف محدد، بل هو أمر معترف به دوليا، فكيف سيكون الأمر لو تم كسر هذه القاعدة من قبل أكبر المحاكم الدولية والتى من المفترض أن تكون حيادية كل الحياد نظرا لطبيعة الملفات التى تحال إليها.
فقد كسر المدعى العام بالمحكمة الجنائية الدولية لويس مورينو أوكامبو المكلف بملف الرئيس السودانى عمر البشير هذه القاعدة وخرج عبر "الجارديان" والتى تعد أكثر الصحف البريطانية انتشارا ليوجه الاتهامات المباشرة للرئيس البشير، بل ليؤكد هذه الاتهامات خصوصا ما يتعلق بجرائم الإبادة والاغتصاب والتجويع، وقد استغل اوكامبو مناسبة صدور مذكرة الاعتقال الثانية بحق البشير ليقول ما قاله ويكتب ما كتبه.
قالقاضى الأرجنتينى والمعروف عنه منذ أن كان محاميا شابا الحماس الكبير بالدفاع عن قضايا حقوق الإنسان وقع فى المحظور عندما سمح لنفسه بتأليب الرأى العام العالمى بهذه الطريقة وكأن المحاكمة انتهت وتم الاستماع إلى أقوال الجميع ومن بينهم الشهود والمتهم الرئيس البشير، جاعلا من المحاكمة وكأنها معركة شخصية بينه وبين البشير متناسيا أن المتهم برىء حتى تثبت إدانته.
ويسترسل أوكامبو فى اتهاماته ليقول فى مقاله الذى نشر بتاريخ 15-7-2010 ان الإبادة الجماعية لم تنته بعد، مؤكدا حصول عمليات الاغتصاب فى دارفور، واصفا البشير بأنه لن يقدم الحل، وأنه (أى البشير) أعلن عن تحقيقات لم يتم إجرائها أبداً ووقع اتفاقيات سلام لم تؤد إلا إلى هجمات جديدة وجرائم جديدة، واتهمه أيضا بطرد عمال الإغاثة الإنسانية وقطع الإمدادات عن ملايين الضحايا بهدف الإبادة.
ماذا لو اتضح عدم مسؤلية البشير عما حصل؟ ماذا سيكون موقف المحكمة الدولية، وأين ستصبح هيبتها، علما أنها فى ملفات أخرى أصبحت رمزا للحيادية والحكم العادل، ففى قضية اغتيال رئيس الوزراء اللبنانى الراحل رفيق الحريرى وعلى رغم الضغوطات الدولية التى كانت تواجه سوريا وتوجيه الاتهامات إليها من قبل العديد من الدول بأنها وراء الاغتيال، واجه القضاة المكلفين بالقضية الأمر بكل حرفية ولم ينجرفوا وراء الحشد الدولى المناهض لسوريا بل ظلوا على الحياد، علما أن القضية تم تدويلها وتسييسها.
المحكمة الدولية تحاسب البشير على جرائم اتهم بها، لكن من يحاسب اوكامبو على تقليب الرأى العالمى ضده بالإضافة إلى تأكيد الاتهامات؟، علما بأنه يحق لمحامى البشير طلب تنحى أوكامبو بسبب مقالته هذه والتى تخالف القوانين والتقاليد والأعراف القانونية الدولية.
* كاتب لبنانى
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة