محمد حسن عبد الرحمن يكتب: صديقتى سلوى

الخميس، 15 يوليو 2010 07:26 م
محمد حسن عبد الرحمن يكتب: صديقتى سلوى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا لم يكن لديك صديقة كصديقتى هذه
صدقنى ..........
تقول ومن سلوى؟
فلتسمع أيها الغر..
صديقتى سلوى كانت تحب البسكويت والملبن
وتضع ضفائرها أمام كتفيها، كانت رقيقة كالفراشة ومتفوقة كالعنقاء.

ولكن كى تكتمل القصة، فالحقيقة أن سلوى كانت بنت (صانع البليلة) وهى -لمن لا يعرف- أكلة شعبية تحتوى على كثير من السعرات الحرارية (ولسوف نحكى عن البليلة لاحقاً وكيف أحبت الشعوب البليلة وتركت قُلتها لدى الحكام يعطوهم فيها البليلة متى شاؤا هههههه!!!)
لنعد لسلوى بنت صانع البليلة.

سلوى كانت عيونها زرقاء كالسماء وشعرها أصفر كجداول الذهب. تراها العيون وتتسمر أمامها حتى أن نادية هانم زوجة أكبر تجار الذهب فى البلدة كانت تحب رؤيتها دوماً وتجعل زوجها يقف بسيارته الفاخرة أمام عربة اليد المتواضعة وتشترى البليلة لتتفرس فى وجه سلوى، لربما أنجبت مثل ذلك الجمال النادر يوماً ما.

(.. يا عم سعيد -والد سلوى- إنتا عندك كنز لو البت دى كملت علامها هتبقى حاجة كبيرة قوى دى شكلها تنفع تبقى سفيرة لمصر بره.. البت ما شاء الله مخها نضيف قوى كمان)

يقولها الأستاذ محد شاهين مدرس الابتدائى وهو يتلمظ بقايا طبقه من البليلة جالساً بجانب عربة اليد.
يرد عليه عم سعيد بدهولة معروفة عنه:
منين يا أستاذ محمد ما إنتا عارف البير وغطاه، لو لقيت حتى فلوس أوكلها مش هأعرف ألبسها، ولا أجيبلها كتب ومواصلات وبعدين إخواتها التمانية هأعمل فيهم إيه؟"

لا شئ يمر أسرع من الزمان ولا تدرى إلا والعام يمر وراء العام.
كبرت سلوى.. وكبر الحلم معها أعطاها خراط البنات استدارات خفيفة وصوتاً حالماً ثم فوق ذلك كله ابتسامة تخطف قلوب الناس. من كان يصدق أنها بنت الرابعة عشرة وأنها وهى من هى! تكون فى النهاية بنت بائع البليلة.

لم يدر الكثير أننى وسلوى كنا أصدقاء-بحكم الجيرة والاجتهاد لا غير- كانت تكلمنى عن أحلامها وعن آرائها، والتى كنت أراها -ياللعجب- أفضل من آراء كثير من العظماءالذين يحتفون بهم الآن.

تفوقت سلوى على نفسها وعلى ظروفها فى المدرسة وكانت دوماً فى مقدمة المتفوقين.

أثارت سلوى غيرة كثير من الناس والنسوة، وبخاصة من لديهم فتيات فى سن الزواج -لا أعرف لماذا؟ رغم سنها الصغير- وطفقت النسوة يرمون عليها الكلام الثقيل كأنه طلقات موجهة لفتاة فى عمر زهرة بنفسج صغيرة.

هه.. عموماً لم يطل الأمر كثيراً إذ فوجئنا بعم سعيد والدها فى يوم من الأيام يأتى للمدرسة على عجل ليستدعى جوهرته الثمينة، وذلك بفرح مصطنع ليزف لها خبراً رآه جميلاً أنها قد جاءها عريس من بلاد الزفت الأسود، وهو مستعد لدفع كل المبالغ المطلوبة والتى ظهر أنها تافهة فى النهاية.

بكت سلوى كثيراً وتعطفت أباها ولكنه كان لا يسمع وترجت أمها ولكنها كانت لا ترى وبدا أن القرار قد دخل حيز التنفيذ وأنها مسألة وقت.

الساعة العاشرة ذلك اليوم ليلاً سمعت صوت طرقات خفيفة على بابنا وفتحت الباب فإذا بسلوى. همست أن اتبعنى لسطوح المنزل.

صعدنا فإذا بها فرحانة كأجمل ما يكون الفرح وعينها صافية فى ضوء القمر وشعرها يتلألأ حقيقة تلك الليلة ونسيم الهواء يبعثره بقرب عيناها المرسومتين بعناية.

قالت كلاماً كثيراً جميلاً عن أحلامها وما تود فعله ثم سكنت فجأة وسكتت كثيراً.
طلبت أن تمسك أصابعى ثم نظرت مباشرة لعينى وقالت اسمعنى.. لا أعلم المستقبل لكن سيكون لك مستقبلاً ما فى يوم من الأيام.. كنت أود لو كنت موجودة وحرة ذاك اليوم لكنها الأقدار. لقد بدا عليها أنها كبيرة.. كبيرة جداً وحكيمة.. أشد ما تكون الحكمة صدقنى.. ساعتها من داخل عينيها لقد رأيت أنها كذلك.

أكملت بهدوء..
أوصيك بتذكرى رغم قلة أيامنا ورغم عدم عمقها.
لم أفهم حقيقة كثيراً من كلامها -لم أكن بعد بحكمتها للأسف ولم أكن أدرك ما تعنى- لكنى حفظته كله فى تلافيف مخى.

قمنا من مجلسنا هذا وقد أوصتنى بوصية أخيرة -أرجو من القارئ إعفائى من ذكرها- وذهبت إلى النوم وكان اليوم التالى الجمعة.

حين قام الناس لإفطارهم ومعايشهم.
سمعنا صرخة مشروخة ومتوجعة تشق النهار.. لقد كانت سلوى ليلتها قد تناولت السم لتنهى هذه القصة..





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة