طفرة جينية كبيرة كادت تحدث خللاً فى موازين البشرية، عندما خرج علينا العالم الأسكتلندى "إيان ويلموت " عام 1996م، يحمل بين يديه نعجته "دوللى"، معلنا نجاحه فى استنساخ أول كائن حى ينتج بطريقة مختلفة عن الطريقة الطبيعية للتكاثر الجنسى.
ومنذ ذلك الحين لم يهدأ العالم، ولم تقف الأبحاث العلمية لمحاولة الوصول إلى استنساخ أجنة بشرية تحمل صفات المستنسخ نفسها، من ناحية الشكل والعقل، وربما الكثير من الصفات الخارقة التى لم نألفها سوى فى عوالم الخيال العلمى.
ونحمد الله أن باءت كل محاولات الاستنساخ البشرى بالفشل، بعدما نتجت عنه أجنة مشوهة بشكل مخيف وبشع، مما جعل العلماء والباحثين يتخوفون، بل ويحظرون، هذا النوع من الاستنساخ، رغم أن بعضهم- من باب خدمة البشرية- أوصى بالاستفادة منه فى توفير أعضاء بديلة للجنس البشرى بشكل عام.
ورغم الفشل الذى أعلنه الغرب بعلمائه ومعامله وأبحاثه العلمية المتقدمة فى هذا المجال، إلا أننا كعرب نصر على استنساخ أنفسنا وأفكارنا وعقولنا بطرق أخرى لتحل محل عقول وأفكار وربما أجساد أبنائنا، الذين يتجرعون مرارة محاولاتنا وتجاربنا فيهم، دون حول منهم ولا قوة.
وبزعم أننا نريد منهم أن يكملوا مسيرتنا، وأن يسيروا على نفس نهجنا، وبنفس أساليب حياتنا، ونشدد عليهم بضرورة الحصول على نفس مؤهلاتنا، لكى نورثهم وظائفنا ومكاتبنا، نردد على مسامعهم دائما أننا الأكبر، والأكثر خبرة وحنكة، والأقدر على اتخاذ المناسب من القرارات، ورؤيتنا للأمور أكثر عمقا وتفحصا، والكثير من المفردات الغليظة التى يقفون أمامها فأغرى أفواههم مبحلقين بعيونهم فى حيرة، فلا يجدون مفرا سوى أن يمتثلوا مستسلمين للتعليمات والأوامر والنواهى.
وغالبا ما ندرك بعد حين أننا بذلك قد ساهمنا فى وأد أفكارهم، وتحطيم آمالهم، والقضاء على طموحاتهم وأحلامهم، وإجهاض مخططاتهم المستقبلية، ومحو شخصياتهم وتجريدهم من إنسانيتهم، وربما دفعهم ليصبحوا مسوخا ونسخا مكرورة لا فائدة منها.
دعونا نترك لأبنائنا حرية الاختيار.دعونا نتنازل عن فوارق السن، فليس ضروريا أن نجبرهم ليصعدوا بتفكيرهم صوب عقولنا، لما لا ننزل نحن لنحاكى شخصياتهم، ونتفهم انفعالاتهم، ومن ثم نحترم اختلافاتهم؟
دعونا ندفعهم ليواجهوا نزواتهم وأهوائهم، ويجربوا بأسلوبهم، ليخطئوا بطريقتهم، ويصححوا بمنهجهم. دعونا نمنحهم الفرصة ليتعلموا ويتفهموا بعقولهم هم، لا بعقولنا التى استنسخناها لتحل محل عقولهم. دعونا نقر ونعترف أننا لسنا من نفس العالم الذى ينتمون إليه.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة