عندما تسأل إخواننا الخبراء عن السبب فى تواضع المستوى الفنى للمونديال لايجدون ما يقولونه ويبحثون عن أى شىء يملأون به الفراغات الواسعة فى الصحف ووسائل الإعلام التى تكثف تغطيتها للمونديال وتعتمد فى المقام الأول على وكالات الأنباء، ثم تحسن مظهرها ببعض الكتابات مع المحليين والنجوم القدامى والحاليين.. والأسئلة فى مجمل الأوضاع تقليدية بدائية وتتمحور عن أسباب أى ظاهرة لافتة للنظر.. فإذا كان الأداء جيداً سأل الصحفيون الخبراء لماذا هو جيد؟ وإذا كان سيئاً سألوا لماذا هو سيئ؟ واذا تكررت أخطاء التحكيم سألوا عن خلفية هذه الأخطاء..
وفى المونديال الحالى لم يشعر الناس بالمتعة وتسرب هذا الشعور إلى وسائل الإعلام فاندفعت إلى الخبراء اندفاعاً شديداً ومتواصلاً لتفسير أسباب غياب المتعة.. وما كان من الأساتذة الخبراء إلا أن أجابوا إجابة واحدة انتشرت بينهم انتشار النار فى الهشيم وهو أن اللاعبين يعانون من الإجهاد والإرهاق لأنهم خرجوا لتوهم من البطولات المحلية والقارية إلى ملاعب كأس العالم مباشرة دون راحة.. هكذا ببساطة كان سبب تراجع المستوى وتراجع المتعة رغم أن هؤلاء الخبراء من المفترض أنهم يعرفون أن كأس العالم فى كل مرة يأتى بعد بطولات محلية وقارية ولم يكن قليل المتعة والمستوى مثلما حدث فى جنوب أفريقيا..
يستسهل الخبراء إطلاق المبررات دون أن يفكروا وكأنهم مبرمجون على إجابات مثل أجهزة الكمبيوتر، والغريب أن الصحفيين الذين ينقلون عنهم هذه الآراء يصدقون أيضاً ولا يتعبون أنفسهم فى مجرد التفكير المنطقى فيما يسمعونه.. وبالتبعية يصدق القراء ما يقرأون، فيشارك الجميع فى رأى عام موحد،، وكأن وباء ضرب الجميع لا يستطيعون تجاهه إفلاتاً أو شفاء، وهذا حدث أيام الصدام بين الكرة المصرية والجزائرية ثم أيام التهدئة.. حتى تتصور كل هؤلاء كرب الحمام أو كقطيع الغزلان الذى يتحرك ككتلة واحدة فى الفضاء يميناً ويساراً صعوداً وهبوطاً.. لا أحد يتوقف ولا يتساءل ولا يناقش..
وحتى الآن لا يعرف الخبراء ولا عامة الناس لماذا سجل النجوم البارزون الكبار فشلاً ذريعاً فى المونديال.. حتى مدربيهم الخواجات لايعرفون لماذا غاب عن المونديال ميسى ورونالدو ورونى وريبيرى وكاكا وغيرهم من الأفذاذ الذين لمعوا فى الدوريات المحلية والبطولات الأوروبية.. لماذا كان الفشل جماعياً إلى هذا الحد؟ وكيف ينتهى المونديال دون أن يحرز ميسى هدفاً واحداً؟ هل هذا معقول؟ هل تضرر هؤلاء النجوم جميعاً من مدربيهم فى المنتخبات فلم يمنحوهم فرصة التألق مثلما حصلوا عليها من مدربيهم فى الأندية؟ وبالمناسبة لابد أن نقرر أن المقارنة بين مارادونا وميسى كانت خطأ من الذين أرادوا أن يجعلوا ميسى رأساً يرأس مع مارادونا ليأتى المونديال ويضحك عليهم ويجعل مثل هذه المقارنة ظلماً فادحاً لمارادونا الذى كان يكفيه أن يجمع حوله أى عشرة لاعبين لكى يقودهم إلى النجاح.. كان مارادونا يحتاج الكرة فقط لكى يبدع ويجعل زملاءه يبدعون بينما ميسى يريد زملاءه ويريد ساحة فى الملعب ويريد حرية وسهولة فى التسليم والتسلم.. ليست المراوغة كل شىء بل القيادة هى أهم شىء..
عندما تنجح فى أن تكون قائداً فذاً فى الملعب تكشف كل مساحاته بالمتر والسنتيمتر وتدير بعقلك زملاءك فأنت إذن فى مقاس مارادونا.. هذا النجم الأسطورة الذى لا تريد دولته الأرجنتين أن تجرح مشاعره حتى وهو مهزوم لأنهم شعباً وحكومة يعرفون أن هذه الأسطورة حقيقية وأصلية ولا يجب تشويهها وإلا أصبح ذلك ظلماً وافتراء.. أما حكاية الانتقال إلى التدريب فهى قضية سهلة الحل..
يمكن أن يرحل بأى سيناريو لكن لا يمكن أن ترحل أسطورته أبداً.. ثم يستحيل استخدام العنف النفسى مع هذا الطفل المعجزة الذى مازال يحتفظ حتى الآن بردود فعل الطفولة التى تجعله يبكى لأهون سبب..
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة