أعتقد الآن أن كلمات رثائى لخالد سعيد لم يعد لها جدوى، خصوصا وأن الرأى العام الآن قد أصبح له صوت يحرك ساكنا، فبالأمس تعالت الأصوات مطالبة بالحق وتعددت الهتافات المطالبة بالقصاص من الشرطيين للثأر لخالد سعيد، وقد كان.
ولكن السؤال الآن إلى متى ستجنى حكومتنا فساد زرعها؟ وإلى متى سنحصل على الحق بعد أن نخسر أرواحنا؟؟
حقيقة الأمر أنى لم أستهل النية للخوض فى مأساة خالد سعيد فى مقالى هذا- فهو صورة وإن كانت مصغرة لجرائم أكبر لم تحظ بإثارة الرأى العام لها، ولكن بداية كابوس مقتل خالد سعيد ونهايته (حتى الآن) أطلق لأفكارى العنان وجعلنى أفكر فى استثارة شفقة الرأى العام لجرائم أشد عنفا باتت بعيدة عن الرأى العام بفعل فاعل.
دعونى أحدثكم عن مأساة بدو سينا ولنحاول أن نخرج بالقضية إلى النور لعلنا نجذب الأعين الشجاعة، الناذرة أرواحها لبيان الحق ولا أحلم سوى ببيان الحق وتجسيد القضية للرأى العام انطلاقا من مبدأ "الساكت عن الحق شيطان أخرس".
إن كان مقتل خالد سعيد قد أثار الرأى العام بأكمله فلماذا لم يلفت أحدا كمّ الاغتيالات التى نالت بدو سيناء دون مبرر، بدءًا من قتل اثنين من شباب البدو وإلقائهم فى القمامة بصوره تجسد مكانة البدو عند المسئولين عن هذه الكارثة، مرورا بالمداهمات الأمنية المستمرة لقرى ومساكن البدو بحثا عن المطلوبين أمنيا خالطين الصالح بالطالح، ليخلفوا فى قلوب الأبرياء كراهية النظام ويزرعوا فى نفوس الصالحين عداوة القانون.
لا أنكر عليكم بهجة سريرتى بزيارة وزير الداخلية لسيناء ومقابلته لبعض مشايخ القبائل بسيناء فى محاولة لمناقشة تلك القضايا بحثًا عن حلول مرضية، وإن كانت المقابلة لم تنم عن نتيجة بعينها أو على الأقل لم تطرح حلولا نافذة إلا أنه يكفينا أن تدخل قضية بدو سيناء فى دائرة الاهتمام.
والغريب فى الأمر أن مطالب هؤلاء لم تتعد حقوقهم كمصريين فكل ما حلموا به ( كما ذكرت صحيفة المصرى اليوم فى العدد2212 بتاريخ 4/7/2010 ) هو حاجتهم للأمان من قبل الأمن ورغبتهم فى معاملتهم كآدميين لهم حقوق وعليهم واجبات ومطالبتهم بحق أبنائهم فى التعيين، إضافة إلى مزيد من التنمية التى تتيح لهم العيش بأمن واستقرار، ومطالبين بإسقاط الأحكام الغيابية وإعادة محاكمتهم محاكمة عادلة (على حد قولهم).. أعتقد أن كافة مطالبهم لم تتعد المسموح به ولم تصل لحلقة الاستثناءات فهم ما زالوا يطالبون بحقهم فى الحياه آملين العيش الكريم.
لعلى تساءلت قبل أن يذرف قلمى كلمة هنا، وسألت نفسى من صاحب الحق.. العسكر أم الحرامية؟ حماة القانون فى هذا البلد أم الخارجون عنه؟.. لعلكم أيضا تعرفتم الإجابة الآن.
للأسف هيأ الإعلام للجميع أن بدو سينا ما هم إلا تجار سلاح وقتلة ومهربو مخدرات ليوصموا العار عليهم سواء مغرضون لهذا أو لا، جميعنا يعرف أن بينهم الكثير ممن يمتهنون هذه الأعمال، ولكن أن نشير بأصابع الاتهام لجموع البدو، وأن نلقى عليهم اتهامات بعبارات طائشة غير موجهة إلى أشخاص بعينهم، أيضا عندما يندفع القضاة إلى إصدار الأحكام الغيابية لأبرياء منهم، كل هذا بالتأكيد يجعلهم يتحصنون بالجبال درعا لهم ليجبرهم القانون أن يصبحوا من الخارجين عليه.
أنا لست مؤيدًا لهم ولست أيضا متعاطفا مع سياستهم، ولكنى تعلمت صغيرا أن لكل فعل رد فعل وهم ارتضوا بالخروج عن القانون رد فعل لهم.
أعتقد الآن أن القاسم المشترك بين خالد سعيد وبدو سيناء أن كليهما ضحية لسياسات العنف والقهر التى يتبعها الأمن وإن كنت ما زلت أوكد أنها ممارسات شاذة من بعض رجال الداخلية لا يمكن أن نطلقها حملة اتهام للوزارة بأجمعها، ولكن ما قصدته هنا هو محاسبة كل مقصر وكل من افترض لنفسه آلية يدوس بها على الغلابة متحصنًا بكونه فوق القانون.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة