ليس غريبا أن يتناول كبار كتاب وصحافيو المؤسسات الإعلامية الغربية خبر وفاة العلامة محمد حسين فضل الله، المرجع الشيعى اللبنانى، بل تعدى الأمر معهم من مجرد خبر عاد إلى مقالات وآراء تشيد بالراحل وأفكاره، ولا شك أن هذه المقالات والآراء أثارت حفيظة الحكومات والمؤسسات الإعلامية بشكل كبير، مما يفتح باب التساؤلات حول الحرية أو المساحة التى يتمتع بها هؤلاء الكتاب والصحافيون خصوصا فى الـ"سى إن إن" التى أطاحت بواحدة من كبار صحافييها وهى أوكتافيا نصر بسبب حزنها على رحيله والذى عبرت عنه عبر "تويتر"، الرد الأول المتعاطف مع أوكتافيا أتى من قبل أحد كبار صحافيى السى إن إن الذى هاجم القناة واتهمها بالجبن والتراجع المهنى ومدح بدوره العلامة فضل الله وأفكاره، وتخطى الأمر الساحة الإعلامية إلى الدبلوماسية، وتحديدا السفيرة البريطانية فى لبنان فرانسيس مارى غاى التى كتبت على مدونتها الإلكترونية الشخصية كلاما جميلا عن الأفكار التى نادى فيها فضل الله خلال حياته، مما كاد أن يتسبب فى أزمة دبلوماسية بين لندن وتل أبيب.
ربما يستغرب الكثيرون من هذه المواقف الصريحة لكن من عرف العلامة الراحل عن كثب أو على الأقل تابع فتاويه وأفكاره خصوصا تلك المتعلقة بالمرأة والأمور الحياتية والاجتماعية والأهم الانفتاح نحو الأديان الأخرى لما كان هناك داع لهذ الاستغراب، وهنا لا بد من فصل فضل الله- حزب الله عن فضل الله- الانسان والمفكر، فبالطبع أفكار فضل الله المتعلقة بحزب الله وانتشاره لم ولن تكون موضوع قبول من قبل الكثيرين، وستظل ألف باء تعاليم حزب الله لفترة طويلة من الزمن، أما فضل الله- المفكر والإنسان، فله تأثير غريب على من يتلقاه، إن كان بالأفكار أوالكلمات والمعاني، ولعل من حظى أنى تلقيت بعضا من أفكاره خلال الفترة الأولى من افتتاحه الفكرى، حيث كان يعقد الاجتماعات الدورية مع مجموعة كبيرة من الشبان المنتمين لكافة التيارات السياسية والدينية، فكان وقتها شابا مع الشباب، ويساريا مع اليساريين ويخلق حالة من الاندماج مع الموضوع ندر أن يقوم بها شخص غيره.
ربما ما يميز فضل الله عن غيره من رجال الدين الشيعة معارضته الدائمة لفكرة ولاية الفقيه، الأمر الذى وتر العلاقة بينه وبين حزب الله فى لبنان، ودفع الكثير من رجالات الملالى لمهاجمته بشكل علنى ومنع تداول فتاويه، بل وصل الأمر إلى إصدار فتوى تمنع فتاويه، خصوصا وأن مقلديه "أى من يتبعون فتاواه" عرفوا انتشارا كبيرا فى لبنان وسوريا وإيران.
أما على الصعيد الاجتماعى فقد حظى فضل الله بدعم المؤسسات والجمعيات الأهلية خصوصا النسائية منها بعد فتاويه الداعمة للمرأة وحقوقها واستقلاليتها، مما أثار فى وجهه عاصفة كبيرة من الانتقادات من قبل رجالات الدين السنة والشيعة.
بعد هذا الموجز البسيط والقليل القليل من عرض أفكاره، نرى أن أفكار أوكتافيا وغاى وفيسك أتت طبيعية ولا شعورية ومهنية لأقصى الدرجات، لأنها تناولت أفكارا مجردة لرجل صاحب فكر دينى تنويرى حدثى يندر وجوده فى هذا العصر.
* كاتب لبنانى
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة