بيل جيتس ظاهرة فريدة تعيش بيننا رجل وصل إلى شهرة عالمية فى مجال تكنولوجيا الإلكترونيات والبرمجة، فاقت مقدار ثروته المادية والتى حصّلها عن طريق العمل المتواصل والجهد والعطاء وبناء شركة ميكروسوفت العالمية، ولكنه ظل على تواضعه ومبادئه ولم يغيره لا الجاه ولا المال.
فى محاضرة له بإحدى المدارس الأمريكية عن التعليم والعمل وتنظيم الوقت وأهمية وجود العائلة وارتباط هذه العوامل بعضها البعض، أعطى للطلاب عصارة خبرته فى الحياة قائلا: سأعطيكم نصائح لن تتعلموها فى المدارس، لأنه للأسف يوجد بعض نظم التربية وبعض المناهج التعليمية تعطى الإحساس الكاذب بسهولة النجاح فى الحياة، مما يخلق جيلاً لا يعى حقائقها ثم يعرّضهم للفشل والصدمة عند مواجهة الواقع.
كانت نصيحته الأولى أن الحياة لن تعطينا كل شىء وعلينا أن نتقبل العيش تحت أى ظرف، وأن العالم لا يعنيه مدى احترامك لذاتك وتفاخرك بها، لأن الجميع يتوقع منك قبل ذلك أن تعمل وتنجز شيئاً، ولن تتقلد منصباً رفيعاً لمجرد أنك إنسان محترم، ولن تحصل على سيارة إلا بعد أن تجتهد وتجدّ فى الحصول على الوظيفة المرموقة، إذا ما أخطأت وسقطت وارتبكت، فاعلم أن الذنب ذنبك، وليس ذنب عائلتك، وبدلاً من أن تبكى وتندب حظك، تعلم من أخطائك، وإذا كنت تعتقد أن معلمك شديد وعنيف وأن طلباته تفوق طاقتك، فلا تتسرع فى الحكم وانتظر حتى يكون لك مديرا، فالحياة ليست سلسلة من الفصول الدراسية المتتابعة، ولن تستطيع أن تقضى كل فصل صيف فى إجازة، ولن يكون أصحاب الأعمال مثل المعلمين متفرغين فقط لمساعدتك، عليك أن تساعد نفسك، وأن تنجز كل أعمالك على حساب وقتك أنت، لا تظن أن العمل فى المطاعم وغسل الأطباق وظيفة دون المستوى، فقد كان أجدادنا و آباؤنا وأناس آخرون يتوقون إلى فرصة عمل كهذه، فالحياة التى نراها فى الأفلام السينمائية والتليفزيونية ليست حقيقية، ففى الواقع لا يقضى الناس كل وقتهم فى اللعب والإجازات والجلوس فى المقاهى الفارهة، بل عليهم الذهاب إلى العمل وزيادة الإنتاج.
ثم شدد على أهمية العلم فى حياة الإنسان قائلا: عليك أن تحترم زملاءك وأصدقاءك المنهمكين فى الدراسة والبحث والكتابة ليل نهار، ربما تعتبرهم غريبى الأطوار، لكنهم سيكونون أكثر استعداداً لمواجهة الحياة وربما ينتهى بك المطاف وأنت تعمل لحساب أحدهم.
وفى آخر نصائحه للطلاب عبر جيتس عن أهمية وجود العائلة فى حياتهم قائلا: قبل ولادتك لم يكن والداك شخصين مملين كما تظن الآن، لقد أصبحا كذلك بسبب مصاريف دراستك وارتفاع ثمن ملابسك الجميلة، والنظر إليك وأنت تكبر يوماً إثر يوم، ولذلك وقبل أن تشرع فى إنقاذ وتغيير العالم وإنقاذ الغابات الاستوائية من الدمار وفى حماية البيئة والتخلص من السلبية فى العالم، اشرع أولاً فى تنظيف دولابك الخاص، وأعد ترتيب غرفتك وشارك والديك مصاعب الحياة ممتنا لهم بما قدموه لك بكل محبة.
هذه النصائح التى قدمها جيتس للطلاب يمكن أن نكون قد سمعنا ببعض منها من ذوينا من خلال خبراتهم الحياتية، حيث كنا نكتسب خبراتنا من توجيهاتهم وننقلها نحن بدورنا إلى أبنائنا ولكن مع وجود أجهزة إعلام مسموع ومقروء ومرئى وشبكات التواصل الاجتماعى على الإنترنت أصبح لأولادنا مصادر معرفية أخرى والتى أحيانا يجدون من خلالها أفكارا جيدة وأخرى سيئة ويضيع الكثير من أوقاتهم وطاقاتهم على الإنترنت، لذا أعجبتنى نصيحة جيتس للجيل الجديد عن أهمية وجود العائلة فى حياتهم والعرفان بجميلها، هذا الجيل الذى يظن دائما أنه يملك كل الحقيقة وكل خبرات الحياة وهم فى حقيقة الأمر شباب صغير مازال فى طور المهد فى خبرات الحياة.
إن دور العائلة جوهرى فى بناء أفردها وأيضا فى بناء المجتمع، فالعائلة المتحدة هى النواة وحجر الأساس لمجتمع مستقر، لأن من مجموع العائلات تتشكل الأمة، ومن مجموع الأمم يتشكل المجتمع الإنسانى، ولذا من الأهمية أن يكون هناك مشورة مستمرة بين الآباء والأبناء فى ما يخص أمور العائلة ويجب أن يمنح فيها الأطفال عضوية كاملة بما لها من امتيازات وعليها من مسئوليات، لأنه للأسف فى بلاد الشرق نعلم أطفالنا الأخذ ولا نعلمهم كيف يكون العطاء، وهذا قصور كبير فى تربية الأبناء من الصغر والذى يجب أن ُيبنى على العطاء والعمل وتحمل المسئولية، وعلى الوالدين أن يتحليا بالحكمة اللازمة فى تطوير قدرات أبنائهم الذهنية والبدنية حتى يستطيعوا مواجهة الحياة بكل ثبات وعطاء، ويشبوا فاعلين بالمجتمع الذى يعيشون فيه.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة