يتصارع معسكران فى مصر... يدعو أحدهما إلى تغيير أسس إدارة العملية السياسية.. بينما يتمسك الثانى بالاستقرار.. والحقيقة أن كلا المعسكرين يعتمدان على الفوضى، سواء فى تحقيق التغيير أو نوع الاستقرار الذى يتم تحقيقه.
فالفوضى هى الطرف المشترك للمعسكرين.. بل إن الفوضى هى السبب ونتيجة الانتقال من حالة إلى أخرى.. هكذا يقول التطبيق العلمى لنظرية الفوضى على الحالة المصرية.
ونظرية الفوضى - التى تختلف عن الفوضى الخلاقة التى تحدثت عنها وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كونداليزا رايس - هى نظرية علمية تهتم بالتغيرات التى تحدث فى أى نظام (سياسى، علمى، اجتماعى) نتيجة لعوامل صغيرة هامشية لا تكتسب أهمية فى حد ذاتها ولكنها تحدث على المدى البعيد تغييراً ضخماً كان من الصعب توقعه فى البداية.
وهذا ما أطلقت عليه النظرية تأثير الفراشة Butterfly Effect حيث يمكن أن يؤدى خفقان فراشة فى الصين إلى حدوث أعاصير فى أفريقيا أو أمريكا الشمالية.
ولقد شهدت مصر خلال الفترة الماضية الكثير من الأحداث التى يمكن أن نصنفها تحت بند (تأثير الفراشة).. منها مصرع خالد سعيد (اسمحوا لى أن أطلق عليه شهيد الفوضى) فكم من الضحايا يسقطون يومياً جراء تعذيب الأجهزة الأمنية وجبروتها.. حتى أصبح تعذيب وسحل مواطن أمراً صغيراً تافهاً لا يستحق الاهتمام.. ولعل هذا كان السبب فى البيان الخائب لوزارة الداخلية حول مصرع خالد.
ولكن هذا الحدث الصغير تسبب فى حدوث أعاصير سياسية فى مصر - لن تنتهى فى القريب العاجل رغم تحويل المخبرين إلى محكمة الجنايات.. بدءاً من المسيرات والوقفات الاحتجاجية الصامتة.. والضغوط الدولية.
حدث صغير آخر تمثل فى انطلاق حركة كفاية نهاية عام 2004.. ورغم انتهاء الحركة وضعف تأثيرها ولكنها فتحت باب القمقم أمام الحركات والوقفات الاحتجاجية والمظاهرات والاعتصامات المعارضة حتى أصبح عددها خلال عام أكثر من 452 احتجاجاً.
الوقفات الاحتجاجية هى حدث صغير إذا نظرنا إلى عدد من يشارك فيها والمطالب التى يتم رفعها والتى تدور فى الأغلب حول رفع الأجر بضعة جنيهات.. أو زيادة تعويض الخروج على المعاش.. أو رفع ظلم ما.. لكن هذه الوقفات سيكون لها نتائج كبيرة فى النهاية، لأن كل الثورات وحركات التغيير التى حدثت فى العالم بدأت بمطالب اقتصادية ورفعت شعارات بسيطة.
تأثر الفراشة أحد فروض نظرية الفوضى المتعددة ولن نستغرق فى باقى الفروض الآن حتى لا يتحول التناول إلى مقال أكاديمى.. ولكننا نعود إلى ما أطلقنا عليه "استقرار الفوضى" الذى يصف طبيعة الإدارة السياسية للبلاد خلال الفترة الماضية، وهو ما يتضح من رفع شعار الاستقرار الذى كان الشعار الرسمى للحكومة والحزب الوطنى الحاكم لسنوات طويلة.
الخبرة المصرية مع هذا الشعار تتحدث عن استقرار للفوضى وليس استقراراً للنمو والتنمية.. الفوضى النابعة من المنطق الذى يحكم مصر والشارع المصرى، وهو مبدأ القوة وإهمال العدالة.
منطق القوة هو ما استندت إليه النظم الحاكمة فى استمراريتها معتمدة على القوة التى تمكنها من تزوير الانتخابات والاستفتاءات.. متخلية عن عدالة الديمقراطية والتصويت الحر.. فانتقلت عدوى منطق القوة والفوضى إلى الشارع المصرى فى تنظيم المرور، وفى البناء العشوائى.. وفى الاستيلاء على أراضى الدولة وفى كل صغيرة وكبيرة تتعلق بحياة المواطن المصرى، وهى الفوضى التى أدت إلى تدهور التعليم والصحة والخدمات.
استقرار الفوضى هو الذى منح مخبر أو رقيب شرطة الجرأة فى أن يقبض روح خالد سعيد، والآخر يتسبب فى إلقاء مواطن فى الدور الثالث بقسم شرطة بنى عبيد، لأنه رفض توصيل المخبر مجاناً.
فوضى تعتمد على لفافة بانجو (طبعاً البانجو رخيص والحكم بشأنه قاسٍ) لتوزيع الاتهامات على الأبرياء مثلما حدث مع خالد سعيد ومع محمد صلاح فى دكرنس الراقد فى مستشفى المنصورة الدولى.
فوضى الاستقرار التى تحكمنا لابد وحتماً أن تقود إلى تغيير أو ثبات النظام.. هكذا تقول نظرية الفوضى.. ولكن هل يخلو شعار التغيير الذى رفعه البرادعى وجمعية التغيير من فوضى.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة