أمس بدأ حزب المؤتمر الوطنى الحاكم فى السودان مفاوضات مع الجبهة الشعبية لتحرير السودان، حول ترتيبات استفتاء أهل الجنوب، إما للبقاء ضمن الدولة السودانية، أو الانفصال عنها وتأسيس دولة جديدة فى الجنوب.
ومن المقرر أن يجرى الاستفتاء فى يناير المقبل، وقد استبق أهالى الجنوب الترتيبات والمفاوضات بمظاهرات حاشدة تدعو إلى الانفصال، وعدم انتظار إجراء الاستفتاء والإعلان عن إقامة دولة جنوب السودان على الفور.
لكن بعض الحالمين يتصورون أنه لا يزال بالإمكان الحفاظ على الدولة السودانية بحدودها الحالية، وهم يأملون أن يختار الجنوبيون عدم الانفصال، لكن ذلك ليس أكثر من أضغاث أحلام.. فقد اختار الجنوبيون الانفصال منذ زمن حتى ولو لم يعلنوا ذلك.
زرت السودان مرات عديدة وفى حقب سياسية مختلفة، المرة الأولى حين كنت طالبا فى الجامعة فى زيارة شبابية لحضور معسكر يجمع شباب البلدين، كانت السودان تعيش أجواء سلام حقيقية بعد اتفاق بين النميرى والجنوبيين منحهم بموجبه شبه حكم ذاتى، لكن هذا الاتفاق لم يعمر طويلا، وسرعان ما تمرد الراحل جون قرنق وأسس الحركة الشعبية لتحرير السودان رافعا شعار السودان الجديد لكل السودانيين، سودان قائم على المواطنة المتساوية.
وعقب الانتفاضة الشعبية التى أطاحت بالرئيس السودانى جعفر نميرى، شرع الحزب الاتحادى فى مبادرة سلام بين الشمال والجنوب، لكن انقلاب الجبهة الإسلامية عام 1989 أعاد السودان إلى دائرة الحرب الأهلية من جديد.
وبينما كان السودانيون فى الجنوب يبحثون عن حكم ذاتى وعن المساواة فى التنمية والحقوق، أصبحت مطالبهم تنحصر فى الانفصال عن الشمال، ومنذ هذا التاريخ وكلما ذهبت إلى الخرطوم سألت الجنوبيين الذين يعيش منهم نحو ثلاثة ملايين فى الشمال: لو جرى استفتاء تقرير المصير فماذا تختارون؟.. وكانت الإجابة تأتى واحدة: الانفصال.
الجنوبيون حسموا أمرهم فعليا، وهم لم يعودوا يرغبون فى البقاء ضمن السودان، ويحلمون بالانفصال عنه وتأسيس دولة جديدة، كانت فيما مضى حلما مستحيلا، لكنها أصبحت الآن على مرمى البصر، أو إذ شئنا الدقة.. بعد ستة أشهر بالتمام والكمال.
السودان الذى نعرفه حاليا فى طريقه للاختفاء، وهناك دولة جديدة فى جنوب السودان، لها علم وعملة، وتحظى بحكم شبه مستقل.. لكن السؤال الذى يجب على العالم العربى عامة ومصر خاصة الإجابة عنه هو: هل تحضرنا لميلاد دولة جديدة غير عربية فى جنوب السودان؟
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة