تستضيف مصر بعد غد السبت مؤتمرا دوليا حول إستراتيجية مكافحة الفساد بمشاركة 19 دولة عربية تحت شعار "الإبداع والتجديد فى الإدارة العربية"، وتنظمه المنظمة العربية للتنمية الإدارية بالتعاون مع منظمة الشفافية العالمية، ومنظمة التعاون الاقتصادى والتنمية، والمنظمة العربية لمكافحة الفساد.
وصرح رفعت الفاعورى مدير عام المنظمة العربية للتنمية الإدارية التابعة لجامعة الدول العربية بأن المؤتمر يهدف بشكل أساسى إلى مناقشة كيفية مواجهة الفساد، من خلال وضع إستراتيجيات وطنية لهذه الغاية.
وأشار إلى أن مناقشات وفعاليات المؤتمر تنقسم إلى أربعة محاور أساسية.. أولها حول ممارسات الفساد ومساعى مكافحته فى البلدان العربية، والثانى حول متطلبات صياغة إستراتيجية وطنية لمكافحة الفساد، والثالث يدور حول منطلقات النجاح فى تنفيذ الإستراتيجيات الوطنية لمكافحة الفساد.
فيما يركز المحور الرابع على استعراض عدد من التجارب العربية والعالمية فى مجال مكافحة الفساد، وبخاصة تجارب منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية وتجربة الاتحاد الأفريقى.. بالإضافة إلى استعراض تجربة مصر فى هذا الشأن من خلال وزارة التنمية الإدارية.
وتضم قائمة المشاركين فى المؤتمر العديد من الوزراء والقيادات المالية والإدارية والقانونية وأعضاء البرلمانات والمجالس الشعبية وأجهزة الرقابة المالية والإدارية والمحاسبية، ورؤساء إدارة البنوك وأساتذة الحقوق والإدارة العامة والمحاسبة وأكثر من 200 شخصية رسمية وأكاديمية تنتمى إلى 19 دولة عربية ستشارك فى أعمال المؤتمر جنبا إلى جنب مع ممثلين عن عدد من الدول الإقليمية والأوروبية والآسيوية والمنظمات العالمية ذات الصلة.
ولا يزال الفساد متفشيا فى العالم العربى، ومع زيادة الوعى العام والإرادة السياسية فى جميع أنحاء المنطقة فقد تم وضع الفساد على رأس جداول الأعمال الوطنية للاصلاح، ولكن وعلى الرغم من بعض التقدم الذى تم إحرازه على مدى السنوات الخمس الماضية، فإنه لازال يفتقر إلى إصلاحات قوية يمكن قياس تأثيراتها.. وللحد من الفساد فى المنطقة، فإن هناك حاجة لتشخيصات وتكهنات شاملة ومنتظمة لمشكلة الفساد.
ويشير تقرير أصدره البنك الدولى عن أوضاع الحوكمة فى العالم فى 2009، إلى أن كثيرا من الدول حققت تطورا فى مكافحة الفساد خلال العقد الماضى.
ويعتمد التقرير على قياس ستة مؤشرات رئيسية، لتحديد وضع الدول محل الدراسة من حيث قدرتها على محاربة الفساد، وتتمثل هذه المؤشرات فى مدى مشاركة المواطنين فى صنع القرار السياسى، الاستقرار السياسى وغياب العنف، كفاءة الجهاز الحكومى، جودة التشريعات المحلية، سيادة القانون، ومدى السيطرة على الفساد.
ويلقى التقرير الضوء على التحدى الذى يواجه الدول الغنية والفقيرة على حد سواء، نتيجة لغياب الحوكمة وعدم بذل الجهد الكافى لمكافحة الفساد فى العالم.. حيث يربط بين تقليص الفساد وتحقيق نتائج أفضل من عملية التنمية.
وقد أصدرت مؤسسة الشفافية الدولية تقريرها السنوى 2009 حول مدركات الفساد فى العالم والذى يصنف كافة دول العالم من حيث ممارسة الفساد فيها وفقا لطائفة من المؤشرات.. وكالعادة كانت الدول العربية تحتل مواقع متأخرة فى هذا الترتيب، وإن كانت قد شهدت بعض التحسن عن العام الماضى.
ولكن الدول العربية تشترك فى بعض السمات المميزة للفساد وهى انعكاس لخصائص المجتمعات فيها وخاصة سمة تعارض المصالح والمحاباة الاجتماعية، كل الدول العربية تقريبا لم تتجاوز مراحل العلاقات القبلية والعشائرية ويعتبر تعارض المصالح والمحاباة والمحسوبية والواسطة على أسس عائلية أو عشائرية سمة من سمات المجتمعات ذات الطبيعة القبائلية.. حيث إن القبائل والعائلات الكبيرة وذات النفوذ تستطيع أن تمارس الضغط لمنح أعضائها فرصا أكبر لتقلد المناصب الرسمية.
وفى هذا السياق، توجد علاقة وثيقة بين الفساد ومظاهر تعارض المصالح والمحسوبية والمحاباة والواسطة، التى تخلق جوا من عدم الثقة بسبب الاعتماد على الروابط الشخصية والعائلية بدلا من معايير الكفاءة والخبرة فى الترشح للوظائف العامة.
وبالرغم من انتشار مظاهر تعارض المصالح والواسطة والمحسوبية فى الوطن العربى، إلا أنه لا يتم حتى الآن التعامل معها قانونيا وإداريا على أنها من مؤشرات الفساد، وأنها تتعارض مع المساواة فى حقوق المواطنة مثل المساواة فى الحصول على الخدمات، والحق فى التنافس الحر على الوظائف.
كما لا تتوفر دراسات معمقة حول مدى انتشار الظاهرة وخطورتها، وتحديدا تأثيرها على ثقة الجمهور فى نزاهة الجهاز الحكومى وفى مدى تمثيله لمصالح الجميع بدون تمييز.
ومن أخطر ظواهر الفساد المستندة إلى المحاباة وتعارض المصالح ظاهرتان تشكلان أكبر أداة لنهب المال العام ضمن ستار من "الفساد القانونى" والذى من الصعب ملاحقته قضائيا ولكنه واضح المعالم بناء على المحاباة.
الحالة الأولى .. هى قضايا تنظيم الأراضى، حيث يطلع بعض كبار الموظفين على مخططات التنظيم الهيكلى فى السنوات القادمة ويقومون بالإيعاز لأقارب أو شركاء بشراء الأراضى خارج التنظيم بأسعار متدنية وهم يعلمون أن الأسعار سترتفع بطريقة خيالية فى المستقبل القريب فور إعلان قرارات التنظيم، هذا الفساد ساهم فى حصول بعض المسئولين على أموال خيالية بسبب "المعرفة المسبقة" بالمخططات ولكن لا توجد وسائل قانونية فعالة لتعقب هذه الممارسات وتجريمها فى حال تم امتلاك الإرادة لهذا التحقيق أساسا.
والحالة الأخرى هى الفوز بالعطاءات العامة والتى عادة ما تكون لصالح وزراء سابقين ونواب ووزراء عاملين استثمروا نفوذهم لصالح شركاتهم ومكاتبهم الاستشارية.
ولكن الفساد لا يقتصر فقط على كبار صناع القرار فى هذه العطاءات حيث يكون هناك سلطة كبيرة لبعض الموظفين أصحاب الدور المركزى، حيث يملك بعض الموظفين سلطة وصلاحية البت فى المناقصات والتحكم فى مواصفات لمواد وخدمات تزودها شركات خاصة بأقاربهم أو أصدقائهم، أو القيام بمشتريات غير ضرورية لمصلحة أقارب أو أصدقاء، أو تحديد مواصفات تعجز عن توفيرها شركات خارج نطاق معين، وأحيانا يتم وضع المواصفات بالتنسيق مع شركات وأشخاص لكى تتم إحالة العطاءات عليهم بدون منافس.
وتبذل مصر جهودا كبيرة فى مجال مكافحة الفساد عن طريق سن القوانين التى تكافح هذه الظاهرة والحد من انتشارها بإقرار قانون مكافحة غسيل الأموال المعدل والصادر عام 2008 والذى يواكب المستجدات التى طرأت فى مجال غسيل الأموال على المستوى العالمى.
وقد أشار اللواء محمد الشافعى مساعد رئيس هيئة الرقابة الإدارية فى مصر إلى دور الجهاز فى كيفية مكافحة الفساد والطرق التى يتم استخدامها فى الحد من انتشار الفساد فى مختلف القطاعات الحكومية وغيرها من الهيئات الأخرى التابعة لأنظمة الحكم.
وأضاف أنه جهاز مستقل فى العمل، لكن فى الوقت ذاته يتبع رئيس الوزراء إداريا وليس فنيا، ويساعد فى الكشف عن المسئولين الفاسدين من داخل الجهاز الحكومى.
مصر تستضيف مؤتمرا دوليا حول إستراتيجيات مكافحة الفساد بعد غد
الخميس، 01 يوليو 2010 03:45 م