الصيف فظ.. قاس.. حرارته جهنم.. رطوبته لزجة تنشر الضيق فى النفس ومما يرتدى.. الويل منه ومن أتباعه الغلاظ ..السيارات وما تخلفه وراءها من ضجيج مزعج وعادم خانق.. الطرقات الأسفلتية التى تمتص الحرارة لتطلقها فى أبدان من يسير.. جدران البيوت وهى تلفظ ما بها من حرارة إلى الشارع.. صوت المكيفات فى الأعالى وانبعاث هوائها النارى ليتحد هذا كله على شخصه الضعيف.. سيشرف على الجنون إن لم يركض إلى بقعة ظل لعل هناك نسمة حائرة تختاره دون العالمين مشفقة عليه من جراء الانتظار.. ركض.. وصل إلى بقعه ظل.. لم يجد النسمة الحانية.. علها استكانت فسكنت موضعا آخر .. ملابسه التى يرتديها أصبحت جزرا من الماء لقد تشكل قميصه بأشكال هلامية ودوائر عدة.. لا مشكله فلقد أشرفت حبيبته على المجىء.. ستخفف عنه الحرارة عندما يرنو إلى عينيها الجميلتين.. ملامسة يدها بالسلام.. انفراجة شفتيها بضحكتها الخجلى كاشفة عن صفين من اللؤلؤ الحر.. الوقت يمضى ببطء سلحفاة مريضة معتلة.. يقرأ الإعلانات الموضوعة كتسلية.. الأغلب فيها هو الإغراء.. الجسد.. تعالت سخريته من مطربات تتفنن فى إبراز المستور فلا حرج ولا مشكله فى اقتران الطرب فى هذا الزمن بالتضاريس التى تبرز منهن فيتناسى الناس أصواتهن ويتذكرن المواضع.. الزحام يشتد..الفوضى مبعثره هنا وهناك فى كل شىء.. أناس تتكلم بصوت عال دون أحد مصاحب.. إنه الجنون.. نقرات على كتفه.. فهمسا باسمه.. استدار.. إنها هى.. جاءت من وجهة أخرى.. شعر بخدر لذيذ عندما رآها.. هى هادئة.. باسمة.. عيناها بهما شعاع ساحر لا يقاوم.. شد على يدها الرقيقة محييا.. ما هذا الملمس الذى لم يصادفه قط؟! سارا سويا.. دلف إلى سيارتها فانبعث هواؤها البارد المنعش..إدارت أسطوانة لفيروز لينبعث الصوت الملائكى فيحتويهما ويحلق بهما عند النجوم.. رددت مغنية بصوتها الجميل مع فيروز وهى تنظر إليه خلسة: صغ لقلبى يا حبيبى حلماااااا.... من سنا الصبح وغدو الغلس .. لمنى من وحشة العمر كما لمت النسمة عطر النرجسى.. ابتسم سائلا إياها غارقا فى الوقت نفسه ببحور عينها الجميله: ليه البيتين دول بالذات؟!.. أجابت: عشان نفسى نتجوز.. تعبنا وعايزين نتلم بقى.. وضحكا وكأنهم يبكيان.. السياره تسير بصعوبة.. أناس يهرولون ووراءهم عسكر.. انحرفت يسارا بالسيارة إلى شارع فرعى.. رجال أشداء يمسكون بقسوة شباب معهم لافتات تندد بالنظام.. فر واحد من قبضتهم سار بمحازاة سيارتهم وهم بفتحها.. وقبل أن تمتد يداه كانت عصا كبيرة تهوى على رأسه وعلى الزجاج الأمامى..تحطم الزجاج تماما.. لم يصدق ما يحدث تناثرت الشظايا عليهما لم ير ما به نظر إليها واجفا.. دماؤها تسيل بغزارة وضع يده صارخا محاولا منع النزيف.. الرجلان يقبضان بيدهم الغليظة على الشاب الذى كان قد فـر وأخذا يضربانه بقسوة مسحولا على الأسفلت الملتهب دون أن يلتفتا إلى السيارة.. الدماء تسيل.. ليس منها فقط بل منه أيضا.. وكانت فيروز ما زالت تغنى: وندهلى حبيبى جيت بلا سؤال.. من نومى سرقنى من راحة البال.. أنا على دربو و دربو عالجمال.. يا شمس المحبة حكايتنا اغزلى!
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة