ياسر أيوب

رصيف الحزن والخوف

الأربعاء، 09 يونيو 2010 07:17 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
هل فكرت يوما أن تتوقف وتتأمل، محاولا البحث عن أى معنى أو قيمة أو دور للرصيف فى حياتك.. مجرد مكان غير صالح للسير أمام المحال حين تملك فجأة ما لا تشترى به الذى لا يلزمك قبل الذى يلزمك.. محطة غير آدمية لانتظار أتوبيس أو ميكروباص أو للتوسل والتفاوض مع سائق تاكسى.. طريق غير آمن للسير مع أى أحد أو أى واحدة..

زاوية مناسبة جدا لانتقاد الحكومة أو أى موظف فى أى مجلس محلى.. عدسة كاميرا تلتقط كل ما فى مجتمعنا من فوضى وعشوائية وخروج على النص والآداب والقانون أيضا.. مجرد معنى فلسفى أو صورة رمزية لرصيف الحياة أو رصيف الأحلام أو رصيف الموت أو حتى رصيف نمرة خمسة الذى أصبح فيلما للراحل فريد شوقى أو أغنية لعمرو دياب..

هذا هو الرصيف كما نراه أو هذا هو ما نتذكره حين نسمع كلمة رصيف.. لكنها ليست بالضرورة رؤية كثيرين جدا غيرنا.. فنفس هذا الرصيف أصبح المحكمة السياسية والحياتية للآلاف الذين اعتصموا أو قاموا بتسع وثلاثين وقفة احتجاجية حزينة وغاضبة فوق رصيف مجلس الشعب منذ أول العام الحالى.. أرباب معاشات وعمال وموظفون ومعاقون وأطفال صغار وأطباء وأساتذة جامعة.. وهذا الرصيف هو المحل المختار لخمسة ملايين ونصف المليون مصرى ومصرية أحالوا كل وأى رصيف فى مصر إلى سوق لبيع أى شىء وبلغ حجم تجارتهم خمسة وسبعين مليار جنيه كل سنة.. وهذا الرصيف بات هو البيت الوحيد الممكن والمتاح أمام مئات الألوف من أطفال شوارع أو فقراء بلغ فقرهم حد أن يعيشوا كل حياتهم أمام الناس على الرصيف..

وإذا كان جوليانى عمدة نيويورك الأسبق قد أكد منذ سنين أن رصيف أى مدينة هو الدلالة الحقيقية لنظامها أو فوضويتها.. أمانها أو رعبها.. جمالها ورفاهيتها أو شرورها وقبحها.. فإننا بهذا المعيار نستطيع أن نصف القاهرة على سبيل المثال بأنها مدينة الحزن والخوف والفوضى والفقر والغضب والبؤس.. ولابد أن نتفق أولا على هذا الوصف بمفرداته قبل أى شروع فى البحث عن حلول ونهاية ومحاولات لتغيير كل هذه الصفات الموجعة..

وأعرف مبدئيا أن البعض لن يوافقنى وسيعارض، مؤكدا أننى على خطأ.. وأن القاهرة لا تزال مدينة جميلة وساحرة وآمنة.. بعضهم سيعلن ذلك مؤمنا بما يقول دون أى زيف أو ادعاء.. والبعض الآخر سيصرخ مؤكدا ذلك لأنه لا يتصور صحة أى انتقاد للحكومة ومسؤوليها وهيئاتها.. وعلى الرغم من احترامى للجميع ولمختلف الآراء ووجهات النظر، فإننى مقتنع تماما بهذه المفردات التى اخترتها لوصف القاهرة مطلا على كل أرصفتها..

الحزن والخوف والفوضى والفقر والغضب والبؤس.. وأمامكم أنتم ألف صورة تغنينى عن مليون محاولة لإثبات كل صفة منها.. والمشكلة ليست هى إثبات ما أقوله.. إنما هى كيف يمكن تغيير كل صفة وكل صورة.. فحتى الآن.. لم يحاول المسؤولون فى هذه المدينة أو فى هذا الوطن.. تغيير صورة الرصيف بشكل صحيح..

إنما هى كلها محاولات خاطئة ومجرمة ومهينة للجميع.. لا يزال هؤلاء يصفون المعتصمين والغاضبين الواقفين على الرصيف بأنهم قليلو الأدب يعوزهم الاحترام والانتماء للوطن وكأنهم عملاء لهيئات أجنبية تريد تشويه صورة مصر.. ولا يزال هؤلاء يتعاملون مع باعة الرصيف باعتبارهم خارجين على القانون ولا يكف رجال الأمن عن ملاحقتهم ومصادرة ممتلكاتهم وكأنهم تركوا محالهم وتجارتهم الأخرى وأصروا على البقاء فوق الرصيف حبا للهواء الطلق..

ولا يزال هؤلاء يتبرأون من أطفال الشوارع وفقراء الأرصفة دون أى وجع للقب والعين وجرج للضمير، وكأن إغماض الأعين وحده لحظة عبور الطريق سيعنى فى لحظة أن الأطفال والفقراء لم يعودوا موجودين.. وأستئذنكم فى اقتباس جملة شهيرة للمبدع الراحل حمدى غيث قالها فى فيلم صلاح الدين.. كل ذلك نهايته الموت.. فهى هنا عبارة مناسبة وصادقة وضرورية وواقعية جدا.. والذى لا يريد الموت للقاهرة أو لمصر كلها..

فعليه أن يبدأ بالحلول الواقعية لكل مشكلات وأوجاع الرصيف.. فلا يعتصم فوقه أحد بحثا عن حقوق ضائعة.. ولا يضطر أن يلجأ إليه من لم يعد يجد بيتا أو حنانا.. ولا يبيع فيه من يحارب كل صباح بحثا عن رزق البيت والعيال.. ولا يواجه فوقه الخوف من كان يظن مصر لا تزال بلدا للأمن والأمان وللحب والجمال.






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة