لا أستطيع الجزم بأن جماعة الإخوان المسلمين قررت العمل مع الدكتور البرادعى وتفعيل الجمعية الوطنية للتغيير كرد فعل مباشر على إسقاط جميع مرشحيها فى انتخابات التجديد النصفى لمجلس الشورى، وليس عندى شك فى أن الجماعة كانت هى العنوان الأول الذى وصلت إليه رسالة النظام عبر ما جرى فى هذه الانتخابات.
فهم الإخوان وفهم الناس جميعاً، عدا الأحزاب التى رمت لها السلطة بنائب، أن رسالة النظام إلى الجميع بالداخل والخارج تقول بوضوح لا لبس فيه أن باب التغيير عبر الانتخابات مغلق إلى إشعار آخر، وأنه ليس فى نية النظام ولا جال فى خاطره فى يوم من الأيام أن يسمح بالتغيير وإن رغب فيه كل الشعب المصرى عن بكرة أبيه، وأن أبواب التغيير التى تطالب بها المعارضة غير صالحة للفتح، وأنه لا توجد أى فرصة فى التغيير السياسى عبر صناديق الانتخابات، فصناديق الانتخابات فى أيدى السلطة وهى تفعل بها ما تشاء، تجعل الأموات يصوتون، وتزيد نسبة الحضور لتصبح مائة بالمائة إذا أرادت، وهى إن أرادت تمنح الحزب الذى يوطى رأسه ويبوس القدم ويبدى الندم على معارضته فى حق الغنم، تعطيه نائباً على سبيل الإعارة يعود بعدها إلى الوطنى فى أقرب فرصة ممكنة.
طبيعى أن يفهم الإخوان مما جرى فى انتخابات مجلس الشورى الأخيرة على أنها إشارة إلى ما يمكن أن يحدث فى انتخابات مجلس الشعب القادمة، وأن حرمانها من الحصول على أى مقعد فى انتخابات الشورى والتباهى بذلك من أحمد عز، هو المقدمة الطبيعية لمحاولة حرمانها من الحصول على مقاعد تعبر عن حجم تواجدها فى انتخابات الشعب، ما يعنى أن النظام قرر بلا رجعة تصفية وجودها الشرعى عبر منافذ المجالس التشريعية، وهى الحجة التى كانت ترددها الجماعة ومعها مؤيدوها وكل أنصارها للتدليل على شرعية وجودهم الواقعية، أنهم متواجدون فى البرلمان بأكبر عدد يمكن أن يحصل عليه أى تشكيل سياسى آخر، وهى فى الحقيقة حجة دامغة لا يمكن أن يماريهم فيها عاقل، ويبدو أن النظام قرر أن يسحب من بين أيديهم هذه الحجة ليضعف شرعية تواجدهم الكبير على الساحة الوطنية فى مصر.
كانت الرسالة واضحة ويمكن أن تكون هى السبب المباشر وراء اندفاع الإخوان فى اتجاه مشروع الدكتور محمد البرادعى، والإعلان عن مشاركتها الفعالة فى جمع التوقيعات على بيانه 'معا سنغير'، وهى مشاركة لو صح العزم عليها سوف تشكل التطور النوعى الأهم فى التحركات الشعبية المطالبة بالتغيير.
ولعل توقيت تفعيل وجود الإخوان الذى كان رمزيا فى الجمعية، هو الذى يجعل البعض يعتبرونه ردا مباشراً على نوايا النظام، وقد تكون خطوة الإخوان هذه مجرد تكتيك جديد فى التعامل مع النظام، تكتيك يظهر أن الإخوان لن يقفوا مكتوفى الأيدى فى مواجهة محاولات تصفية وجودهم الشرعى، وأنهم سوف يتحالفون مع المطالبين بالتغيير، وهو التحالف الذى يمكن أن يخشاه أهل الحكم ويعملون له ألف حساب، وقد طالبنا به من قبل حين تأخر الإخوان فى اللحاق بقطار التغيير الذى انطلق بعزم جديد مع عودة البرادعى من الخارج.
الهدف الوحيد المتفق عليه الآن بين البرادعى والإخوان هو تسريع عملية جمع التوقيعات على بيان معا سنغير الذى يحتوى على المطالب السبعة للقوى المطالبة بالتغيير بهدف الوصول إلى رقم المليون، بعد أن توقف عدد التوقيعات فى حدود أقل من مائة ألف، وهو هدف لا يصلح لكى يبنى إستراتيجية للتغيير متفق عليها من جميع القوى المشاركة فى الجمعية الوطنية للتغيير، ولكنه يعطى دفعة قوية لمشروع البرادعى الأصلى، ويقويه فى مواجهة انتقادات كثيرة خرجت عليه من داخل الجمعية المفترض أنه يقودها ورمزها الأول.
توقيت ذهاب البرادعى إلى مقر الكتلة البرلمانية للإخوان، وإعلان موقفه المؤيد لحقهم بإنشاء حزب مفتوح للجميع على مرجعية إسلامية، فى إطار دولة مدنية تحترم الدستور، وحرصه على أن ينفى أنه دعا إلى تغيير المادة الثانية فى الدستور التى تجعل الشريعة مصدراً رئيسياً للتشريع، ومن ثم تفعيل الإخوان لتواجدهم على لائحة مشروعه، خطوتان يحسبان فى السياسة بمعايير دقيقة لفهم دوافع الطرفين ومغزى تحركاتهما، ولكن البادى للعيان بدون أدنى شك أن الطرفين يمارسان لعبة الاستقواء بالآخر فى ظروف تجعلهما معاً مستهدفين على أكثر من صعيد.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة