لن أستطيع أن أبدأ بمقدمة، سأحكى لك الموقف كما حدث لى،
كنت واقفا على الكاشير فى سوبر ماركت أنتظر دورى فى دفع الحساب، وعندما أتى الدور علىّ وجدت من يأتى من خلفى ويضع مشترياته أمام مشترياتى وكأننى غير موجود بالمرة (كانت حجته البادية أن معه شيئا واحدا سيدفعه وينصرف مسرعا)، ولكن فوجئت باثنين آخرين تقدمانى لنفس السبب.
نظرت إليهم فى تعجب شديد، وامتعضت شفتاى، لاحظت تلك التعبيرات عاملة الكاشير فنظرت هى الأخرى لهم فى ضيق ثم نظرت إلىّ وابتسمت فأذنت لهم، وشاهدت أمام عينى كشريط السينما يمر فى لحظة ويرينى المزيد.
إن هذا الشعب لم يترب على احترام الطابور فلقد حدث لى مثل هذا الموقف مرات فى أماكن عديدة ولكن مرات أتغاضى، "وأعمل فيها ذوق"، ومرة أوبخ من فعل ذلك، وذلك هو نفس الشعب الذى تجده واقفا فى طابور على شكل مثلث (رأسه واحد أمام المنفذ وقاعدته خمسة أشخاص فى آخره) .
وهذا الشعب أيضا هو من أنشأ قانون (البوز base) فى فن قيادة السيارات، وهذا الشعب أيضا هو من يسير فى الشارع عكس الاتجاه ويجبر من يسير منضبطا على الرجوع لأن وراءه من المتخلفين كثير، وليس هناك أحد وراء من يسير صحيحا.
وهو نفس الشعب الذى كبر والزبالة كبرت معه لتحيطه وهو يسير من كل جانب، فأصبح شيئا طبيعيا، والغريب أنه يدفع شهريا مصاريف لتنظيف تلك الشوارع ولكن عمره ما اعترض وقال "مش هدفع حق خدمة مش باخدها".
أليس هذا هو الشعب الذى نشأ جل شبابه يحلمون بالوظيفة الحكومية ليتمرمغوا فى تراب البيروقراطية؟ وهو نفس الشعب الذى يجب عليك أن تنهى إمضاء ورقة حكومية فى ثلاثة أو أربعة أيام- إن لم يكن شهرا.
أسئلة كثيرة وسلبيات أكثر، ولعلك تقول فى نفسك أننى أنظر إلى نصف الكوب الفارغ، ولكن أخشى أن تكون أنت من ينظر إلى أى كمية مياه وللأسف لم يعد سوى نقطة. وتذكرت كلمات الكاتب الكبير "وحيد حامد":
كيف نريد أن نتقدم ونحن شعب يبول فى النهر الذى يرويه أرضا وبشرا؟
كيف نريد أن نتقدم ونحن شعب يتحدث طوال الوقت عن الدين ولا يعمل به؟
كيف نريد أن نتقدم ونحن شعب تعود على الاستسلام والخنوع؟
كيف نريد أن نتقدم ونحن شعب بات لا يعرف كلمة لا؟
كيف نريد أن نتقدم ونحن شعب يرى أحواله فى تدهور ومع ذلك يلتزم الصمت؟
كيف نريد أن نتقدم ونحن شعب لا يقدر ثقافة العمل، وأنه أساس القوة والرخاء؟
كيف نريد أن نتقدم ونحن شعب لا يهمه العلم ولكن تهمه الشهادة؟
فكرت فى حل لتلك المواقف، ولكن بما أن دراستى كطبيب تغلب علىّ، فبدأت بتشخيص المرض بعد أن عرفت الأعراض. فالمرض هو "سوء تربية" نعم وللأسف نحن نحتاج إلى إعادة تربية. وسرعان ما قفز إلى عقلى قول الله تعالى (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَومٍ حَتّىٰ يُغَيِّروا ما بِأَنفُسِهِم ۗ )، ولكننى توقفت للحظة، إذا كان من السهل على الإنسان أن يغير نفسه ويربيها فما كان الداعى من بعث رسل وأنبياء؟، فكان كافيا جدا أن ينزل الله كتابه وليقرأه كل واحد فينا ويربى نفسه بنفسه. ولكن الله بعث الرسل والأنبياء ليكونوا قائدى حركة التغيير ويكونوا أسوة للناس. حتى يقوموهم إذا أخطأوا، ويحفزوهم إذا نجحوا، ويشجعوهم حتى يثبتوا.
لذا نحن نحتاج فى الفترة القادمة إلى قائد مربٍّ، ومعلم مربٍّ، ومواطن أيضا مربٍّ. يجب أن تعلو فى نفوسنا حركة الإصلاح والتربية والتغيير، يجب ألا يصمت أى أحد منّا على أى خطأ يراه، يجب أن نرتقى بثقافة قبول النقض، وعندما ننقض يكون نقضا بناء ولا يكون توبيخا - فإن النصيحة فى العلن فضيحة، حتى نصل إلى قول الله تعالى:
(كُنتُم خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَت لِلنّاسِ تَأمُرونَ بِالمَعروفِ وَتَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ وَتُؤمِنونَ بِاللَّهِ ۗ ).
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة