بلدى.. كلمة تعنى الدرة أو الجوهرة الفريدة من نوعها، عشان كده كنا بنقول البلدى.. بلدى.. ونتباهى بجدعنة ابن البلد وشهامته، وكان علامة بنتفشخر بهاعلى غيرنا من الشعوب. فكرة البلدى أو الوطنى انتشرت وتعمقت أيام الاحتلال لرفض كل ما هو أجنبى، لأن كل ما هو بلدى كان يعنى فعل مقاومة للأجنبى المحتل. كنا بنقول "البلدى يوكل" أى يؤكل، أى أنه الأفضل والألذ والأطعم.. زى اللحم البلدى والفراخ البلدى والسمن البلدى، تأكيدا على قيمة البلدى المتميز. المشكلة أن بلدى بقت كلمة "أبيحة" وشتيمة كمان ليه بقى؟ لأننا ساعات بنقول دول ناس بلدى أو دى بنت بلدى قوى يعنى وحشة مش بنت ناس أو مش من بنات الذوات اللى همه مرفهين، وبيقولوا بابى ومامى وده لقب كان يطلق زمان، وما زال طبعا موجوداً للأسر المصرية العريقة التى تملك الأراضى والعزب. دلوقتى احنا بنسأل مش عن فين الشهامة؟ وانما عن فين الرجالة؟ بعد أن تاهت الشهامة من المجتمع، لا الرجال عادوا رجالا ولا بقى فيه أصول، وغطى التراب القيم الجميلة.
كمان الطيب بيقولوا عليه ضعيف ومتخلف ومش مدردح. المشكلة إن الكل بيعلق شماعته على الحالة المادية ومش عارف ليه الفلوس اللى هى مع التيوس دايما بنتحجج بيها، وكأن فيه أخلاقا للفقراء وأخلاقا للأغنياء. طبعا الأخلاق فى كل مكان وزمان لا تتجزأ ولا تنتمى لطبقة دون الأخرى هناك شخص فاسد وشخص آخر صاحب أخلاق طيبة، تعالوا بقى نحسبها ونمسك الحكاية من أولها علشان التغيرات اللى شوهت الشخصية المصرية كتيرة جداً وخطيرة قوى، والكل شايفها وحاسسها. الدليل إن ابن البلد الجميل والرجل الشرقى صاحب الدم الحر اللى ما يقبلش أن يعاكس حد بنت فى الشارع أو فى حتته راح فين؟ برضه حنتحجج بالدين ونقول مافيش تدين والبنات لبسها بقى مغرى مع أنه مافيش دلوقتى أكتر من الحجاب والإسدال والنقاب، حتى الرجالة دقونهم طولت. زمان البنات كانت بتلبس المينى والميكروجيب والشابونيز والمكسم والمقور، ساعتها لاكان فيه تحرش ولا خطف و لا اغتصاب اللى بنشوفه دلوقتى فى عز الضهر. بجد يا ريت نواجه مشاكلنا بجدية شوية علشان نتغير للأحسن ليه بقى؟ لإن احنا مش عايزين نواجه مشاكلنا.
مش كده وبس.. لأ.. ده احنا كمان بننكر المشكلة من أساسها. السبب إن مابقاش فى الصورة الآن غير الفهلوى والبلطجى والمغنى التافه المخنث، والممثل الرخيص، واللاعب على كل الحبال، والناهب لأموال الناس. بجد قبل ما نترحم على أيام ورجال زمان اللى كنت بتحس أن ليهم هيبه ده غير وطنيتهم الرهيبة عشان كده كنا بنقول عليهم ولاد بلد حتى بنت البلد الجميلة اللى كانت تلهم بجمالها خيال أبناء الحتة فيكتبون الشعر الغزلى العفيف فيها دون خدش للحياء أو تجريح، وكانت فى قمة الأدب والجمال.. لكن هل الصورة سوداوية إلى هذا الحد، ألا يوجد ولو بصيص من نور؟ الإجابة نعم الأمل والخير والصدق والعفة وكل القيم الجميلة وحاجات كتير اوى كنا بنسمعها، ومحدش قال لنا نعملها.. احنا طلعنا لقينا نفسنا كده بنعملها، صحيح إنها لم تأتِ من فراغ بل من جذور عميقة فى شخصيتنا وحياتنا وتربيتنا.
الحكاية وما فيها إن كل الصفات الجميلة مازالت موجودة داخل نفوسنا، كل ما حدث أن التراب غطاها، وكل ما نحتاجه هو إزالة هذه الأتربة. الطريق ليس صعباً أو مستحيلاً الدليل إن حارتنا وشوارعنا وناسنا وانا وانت مليانين جمال.. بس يمكن عنينا مش شايفاه. افتكر الكتير من المواقف النبيلة اللى شفتها من رجال جدعان وولاد بلد حتلاقيها كتير قوى. المشكلة إنهم لا يبحثون عن الشهرة أو الدعاية وبيعملوها تلقائيا مش منتظرين أى حاجة من أى حد أو حتى كلمة "شكرا". انظر إلى نفسك حتلاقى أنك تعرضت أو وقفت مواقف كتيرة كلها شهامة وجدعنة، بس احنا بننسى وما بنفتكرش غير الوحش. السبب إن الكل بيتكلم فى السياسة والحكومة والفساد وبنقول مافيش غنى.. إلا لازم يكون حرامى ومافيش مسئول إلا لازم يكون مرتشى، وكأن الأغلبية الساحقة من هذا الشعب، لا عمل لهم سوى النهب والسرقة والعلاقات المحرمة، والحوارات البذيئة. النتيجة إننا حولنا ابن البلد إلى مسخ لا قيم تحميه ولا قيمة يمثلها أو يؤمن بها، ولو نفترض أن البلد كلها بهذا السوء.. لماذا لا نزرع الأمل ونحفز الناس ليرجعوا لأصلهم وهو الجدعنة؟ ولماذا لا نشجع الشباب أن يحاولوا أن يجعلوا بلادنا من أحسن البلاد ؟ يابن بلدى حبها علشان تحبك.. المصرى هيفضل مصرى النيل رواه والخير جواه.
• نائب رئيس تحرير جريدة الجمهورية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة