سوف نأخذ كلام الدكتور "مصطفى الفقى" هذه المرة على محمل الجد، مع أنى لم آخذه بجدية طوال عمره وكنت أعتبر كل ما يقوله أو يكتبه دائما مبررا للانتهازية والتسلق على سلم السلطة- أية سلطة- منذ أن حصل على "كأس الخطابة" سنة 1965 فى أسبوع شباب الجامعات، ثم عمل "الفقى" سكرتيرا للرئيس "مبارك" للمعلومات فيما بين 1985،1992 وأحد المتحدثين الأساسيين قى الجلسة الافتتاحية للمنتدى الدولى فى "دافوس" بسويسرا فى يناير 1995، فقد كان – دائما - يسهب ويطنب ويجلجل بفجاجة عن العروبة التى كان يقودها "زعيم الأمة العربية" جمال عبد الناصر وبعد ذلك عن "حكمة الرئيس المؤمن "أنور السادات" ثم اكتشف حاليا "أن الرئيس مبارك لم يُقدم إعلاميا للمصريين بالشكل المناسب، وهو ليس كما يقول خصومه، وهو شخص بسيط ورجل وطنى من الطراز الأول"، ويقدم اكتشافه الأهم الذى يباركه، وهو اكتشاف الدكتور "مصطفى الفقي" أن: "الرئيس القادم لمصر لابد أن يكون بموافقة أمريكية وإسرائيلية"، حيث انهالت الاتهامات من أقطاب الحزب الوطنى وكتابه المتسلطين على رقاب الصحف والمجلات القومية، الدكتور "مصطفى الفقى" رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشعب المصرى، وهو عضو مجلس الشعب عن انتخابات سنة 2005 عن دائرة "دمنهور" وكان قد أعلن سقوطه فى الانتخابات بادئ الأمر ثم أعلن فوزه بعد ذلك، وثار لغط كبير بسبب شهادة المستشارة "نهى الزيني" التى أيدها نادى القضاة و137قاضيا بأن إجمالى عدد الأصوات كان لصالح منافسه "د. جمال حشمت" المرشح المستقل، أما السبب الذى جعلنى آخذ كلام "الدكتور" الآن على محمل الجد فسوف يتضح حالا.
الدكتور "الفقى" رئيس لجنة العلاقات الخارجية فى البرلمان، قد اعترف فى خطبته العصماء أمام اللجنة بتراجع "دور مصر الإقليمى" وبرر هذا بأنه "قرار إرادى" أى أنه تم بموافقة القيادات السياسية فى مصر، والعهدة فى ذلك على الصحف القومية، حيث أضاف "الفقى" فى محاضرته بمركز الدراسات الحضارية وحوار الحضارات التابع لجامعة القاهرة "أن العرب ينظرون للمصريين دائما على أنهم إما فراعنة أو عملاء لإسرائيل"، وأنه يعتقد أنه "لا مستقبل للعروبة، كما أن إيران تحاول وراثة الدور المصرى فى المنطقة"، واعترف الفقى أنه على الرغم من عدم إيمانه بالعروبة، إلا إنه مضطر "للهرتلة بكلمتين" فى المؤتمرات التى يدعى إليها للحديث عن الموضوع، وأكد أن مصر هى التى قررت ألا تحشر" نفسها فى أى شىء"، وهو هنا بالطبع يتحدث عن "مصر/ نظام الحكم"، ولن أعلق هنا إلا على قول الفقى عن"تراجع دور مصر الإقليمى" فأنا أصدقه- ربما لأول مرة- فى قوله أن هذا التراجع هو "قرار إرادى" أى أنه تم بموافقة القيادات السياسية فى مصر" وأضيف عليه "مع سبق الإصرار والترصد" ففى كل عصور الانحطاط وفى ظل أى نظام حكم فاسد كان المد العروبى يتراجع دائما إلى أقصى درجات الجزر، ولم تجد "العروبة" من يدافع عنها فى مصر إلا فى فترة حكم "جمال عبد الناصر" حيث تبلور- فى هذه المرحلة من تاريخ مصر- دور مصر القومى والإقليمى والعالمى، وقبل فترة حكم "ناصر" لم تكن لمصر- طوال تاريخها- أية مساهمات فى القضايا العربية ولا حتى الحضارة العربية على شمولها، بالرغم من أن أمثال "الفقي" يرطنون باللغة العربية التى أهداها العرب إلى مصر فأصبح لمصر أدبا وأدباء ومفكرون عظام وأصبح وجود مصر متحققا فى اللغة العربية كما تتحقق شعوب كل الأمم فى لغاتها، وامتزج نهر الحياة فى مصر بأمواج الحضارة العربية التى ازدهرت على يد "الأمويين" وعاصمتهم "دمشق" والمؤسس الأكبر "معاوية بن أبى سفيان" حيث قال الحافظ بن كثير إن: "سوق الجهاد كانت قائمة فى بنى أمية"، ويعترف المسيحى "جورجى زيدان" بذلك فيقرر أنه: "لم يبلغ العرب من الغزو والسؤدد ما بلغوا إليه فى أيام هذه الخلافة، وقد تكاثروا فى عهدها، وانتشروا فى ممالك الأرض"، ومن بعد "دولة الأمويين" جاءت "الدولة العباسية" وعاصمتهم "بغداد" عندما ظهر "أبو مسلم الخراسانى" الإيرانى فى إيران يدعو لقيام دولة العباسيين، وبعده تمكن "العباسيون" من بناء دولتهم التى سببت تغييرات وتطورات سياسية واجتماعية و ثقافية فى منطقة الشرق الأوسط، وفى الحضارتين كانت مصر مشاركة بالأخذ وليس بالعطاء ولم يكن لها أى دور بل كان الدور الرئيسى فى دعم الحضارة العربية إبان الدولة العباسية لـ"إيران"، ومصر لم تكن دولة محورية فى المنطقة منذ تلاشى دولة الفراعنة وبداية الفتح العربى لمصر منذ سنة 640 للميلاد حيث كانت مصر تئن تحت وطأة الحكم البيزنطى خاضعة مباشرةً للإمبراطور البيزنطى فى القسطنطينية، إلى أن خلصها العرب وتمت عملية غسيل الدم العربى للشعب المصرى وأهداها العرب اللغة/الوجود، كما أن مصر لم تكن دولة محورية إلا فى فترة المد العروبى أيام حكم "جمال عبد الناصر" حيث بدأ هذا الدور المحورى فى التآكل والضياع تحت حكم "السادات" إلى أن ضاع تماما هذا الدور المحورى تحت حكم نظام الحكم الحالى، فمصر- الآن- لم تعد دولة محورية فى خريطة الشرق الأوسط وأن سمعتها أصبحت على المحك مما سبب صعود قوى إقليمية منافسة لها مثل "إيران" فصوت مصر- تحت حكم نظام الحكم الحالي- قد خفت ولم تعد مؤثرة فى مجريات الأحداث خاصة أن "إيران" قد أظهرت مهارة دبلوماسية عالية ودعما للمواقف العربية فى القضايا العربية التى تمس الوجود العربى فى مواجهة أمريكا وإسرائيل، فـ"إيران" كانت بالأمس دولة محورية وهى اليوم بتحالفاتها العربية مع سوريا وبعض القوى الأخرى دولة محورية هذا إن لم تكن هى "الدولة المحورية" فى المنطقة التى تواجه الأطماع الصهيونية والأمريكية فى المنطقة، ويكفى أن نراجع هنا بعض القضايا التى فشل فيها نظام الحكم فى مصر وأعلنت انهيار هذا الدور المحورى الوهمى فمن أزمة الفرقاء اللبنانيين بعد حرب 2006 حيث تولت "قطر" القضية ونجحت فى جمع الفريقين فى الوصول إلى نقطة التقاء، إلى أزمة جنوب السودان حيث تولت "كينيا" و"نيجيريا" الوساطة وتم عقد "اتفاق أبوجا" ثم "نيفاشا" وانتهت الحرب تقريبا فى الجنوب السودانى مرورا بأزمة "دارفور" التى لم يتمكن نظام الحكم فى مصر من تقديم الحل للأزمة علما بأن العلاقة التاريخية بين الطرفين مع مصر جيدة ومرة أخرى تولت قطر الملف, وربما تتمكن من إنهاء الخلاف كما فعلت فى لبنان، وسبقت ذلك أزمة "لوكيربى" عندما كسرت الدول الأفريقية- ما عدا نظام الحكم فى مصر- الحصار على "ليبيا" ثم تدخلت السعودية وجنوب أفريقيا وتمكنتا من الوصول إلى حل وسط ونجح الحل وتم رفع الحصار.
والآن لا يرى الرأى العام فى المنطقة حلا للمشكلات فى المنطقة العربية سواء فى "لبنان" أو "العراق" أو "فلسطين" أو حتى الإقليمية فى أفغانستان" إلا إذا أقدمت الولايات المتحدة الأمريكية على كسب إيران (الدولة المحورية) بالتفاهم معها على حلول لكل مشكلات المنطقة لان ذلك يظل أقل ثمنا من العمل على كسرها بحرب تشعل المنطقة بأسرها وتكون حرب دمار وخراب للجميع، وتشكل مغامرة تذهب بالمنطقة إلى المجهول وليس أمام الولايات المتحدة إلا أحد حلين للخروج من أزمتها مع إيران أحدهما العمل على كسبها والاعتراف الكامل بدورها المحورى فى المنطقة والموافقة على إعطائها نفوذا فى دول معينة كى توضع المشكلات الكثيرة على طريق الحل، وإما اللجوء إلى الحرب لكسرها وهذا غير مضمون النتائج ومكلف جدا، فالتفاهم مع سوريا من دون التفاهم مع إيران قد يشكل حلا جزئيا وليس حلا شاملا حتى لو تم التوصل إلى اتفاق سلام بين سوريا وإسرائيل، هذا إذا وافقت سوريا على توقيع مثل هذا الاتفاق بدون موافقة إيران، عدا انه قد لا يؤدى إلى وقف استمرار مرور الأسلحة عبر الأراضى السورية وغير السورية إلى "حزب الله" والى حركة "حماس" والى كل تنظيم جهادى تدعمه إيران وتسلحه، فى حين إن شرط إسرائيل لعقد اتفاق سلام مع سوريا هو وقف مرور هذه الأسلحة لتصبح حدودها هادئة وآمنة، وهكذا يتبلور بكل وضوح تصاعد الدور المحورى لإيران وقبح وتلاشى حجم دور نظام الحكم فى مصر الذى أكد الدكتور "مصطفى الفقي" أن تراجع الدور المحورى لمصر تم بأمر النظام المصرى نفسه عربيا وإقليميا ومهما حاولت "هرتلات" مصطفى الفقى وأقرانه تبريرات هذا الانهيار الذى يعكس بقوة قرب انهيار نظام الحكم كله قريبا، ومن المؤكد أن مصطفى الفقى سوف يحصل على كأس الخطابة فى خطبته العصماء لنظام الحكم الجديد.
* كاتب وروائى مصرى.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة