كيف لنا أن نتمسك بحياة يملأها الجوع والفقر ولا نرى منها إلا الضنك أمام أعيننا؟ كيف نتمسك بها ولا نشعر معها إلا بالخوف والذعر من المستقبل؟ كيف نحلم بامتلاكها وقد ضنت علينا بالصحة والعافية وأجهدتنا بالأمراض وما لم تسمع عنه البشرية على مر الدهر؟ كيف نسعد بها وفى كل صباح تهددنا بإعصار وبركان وزلزال؟ كيف نتعارك عليها ونهايتنا عليها محققة وفى أى وقت ومكان؟ كيف نودع موتانا فيها ولا نشعر بقرب نهايتنا؟ ثم كيف نهنأ بعيشها والآلام تملأ جنبات حياتنا؟ كيف والعدو داس رؤوسنا واعتدى على حرماتنا ولم يبقَ لنا شىء من كرامة أو أمل فى أن نستعيدها؟
أعتقد أن الحل الأمثل هو فى الموت الشريف، فبما أننا غير مستمتعين بها وأنه ليس لها أمان وأن الموت قادم قادم لا محالة، إذن فالأشرف والأفضل والأجدر بنا أن نموت، لكن لهدف وبكرامة لا أن نظل كالخراف نساق إلى حيث أراد لنا الرعاة.. ولنمحى عن أنفسنا الوصف بالجبن وعن أبنائنا الذل والعار.
فهذه دعوة للموت الشريف بدلاً من الموت بالخوف والذعر من العدو الذى جبنا أمامه لحرصنا على الحياة بعدما خالفنا مذهب الأبطال الذين كان مبدأهم الأول "احرص على الموت توهب لك الحياة" فقهروا الظالمين وسطروا صحائف من ضياء وما نسى الزمان تاريخهم ولا نسينا وأجبروا العالم أن يحترمهم ووقف أمام تاريخهم مشدوهاً مشدوداً لا يرفع الرأس بل يطأطئها خزياً وعاراً ولكننا نحن الآن قد ضربنا أسوأ المثل لأعدائنا فركبوا ظهورنا وامتطونا وساقونا إلى حيث أرادوا، فذللنا لهم وسقطنا فى براثن الذل والعار وكتبت أسماؤنا فى لوحة الساقطين فى مزبلة التاريخ.
فهذه دعوة للموت الشريف تسقط عنا هواننا وتزيل عنا أوساخنا وتكشف للعالم حقيقة معدننا وعراقة أصلنا وقوة إيماننا وصلابة ديننا وسمو أخلاقنا، فهيا لنحيا بالموت الشريف دعوة لكل شباب الأمة أن يتركوا الدنيا التى هربت منهم وتفلتت من بين أصابعهم ويشغلوا أنفسهم بالآخرة، التى هى غاية المراد وطريقة الخلاص وأن يضعوا بين أعينهم حال أمتهم ولا يشغلون إلا بها ولا يهتمون إلا عليها عندها سنعيش عيشة الكرام ونحيا شرفاء بعدما حرصنا على الموت الشريف.