عندما تجتمع عجائب المونديال وغرائب الانتقالات فإننا نكون بصدد إثارة مكتملة تجعل المشاهد والمتابع أمام تخمة من الأحداث هى ما يريدها وينتظرها ويحب أن يعيش فيها.. وفى المباريات الحاسمة فى كأس العالم.. يتوقف مصير منتخب على فرصة سهلة يهدرها مهاجم لو استثمرها بأقل قدر من التركيز لعاشت بلاده أوقاتا سعيدة من الاحتفالات.. رأينا كيف تضيع الفرص السهلة من نجوم هم الأعلى والأغلى فى العالم.. ورأينا كيف يسيطر فريق ويتحكم فى الملعب ويفعل كل شىء إلا ترجمة ذلك إلى أهداف، بينما الفريق المقابل لم يفعل شيئا سوى أنه أفلت بهجمة وأحرز هدفاً ودافع عنه باستماتة هو والحظ فى تحالف عجيب ضد منطق العدالة فى الحياة..
عرفنا أن العدالة فى أن يكسب الطرف الأفضل فى أى نشاط إنسانى فى الحياة.. عندما تكون هناك منافسة على وظيفة أو منصب أو أى عمل له علاقة بالاختيار بين الأفضل والأنسب يفوز من يملك القدرة والإمكانيات والكفاءة.. لكن فى كرة القدم تبدو اللعبة نشاطاً ظالماً فى أحيان كثيرة.. فطالما رأينا الأسوأ يفوز، وكثيراً ما شاهدنا حكماً يتسبب فى هزيمة الأفضل.. والأهم من ذلك أن الأفكار المعتادة تغيرت.. فالفرق التى تسيطر وتهاجم وتحاصر المنافس تظل معرضة للهزيمة، لأن الفكر الجديد الذى ترجمه المونديال فى العديد من الحالات يرسخ فكرة «دافع كى تفوز ولا تسيطر حتى لا تخسر».. ولو استعرضنا المباريات التى أقيمت فى الدور الأول نجد أن هذه النظرية ترسخت بحيث أصبحت منهجاً وعقيدة لدى المدربين، فليس مهما أن تبدو متفوقا ومنطلقاً ومهاجماً ومستعرضاً لمهاراتك وقدراتك، بل الأهم أن تبدو منطقيا وواقعياً «وخبيثاً» تصطاد الفوز فى غفلة من خصمك.. وهذا لا يحدث اعتباطا أو بعشوائية أو بالمصادفة، بل هو واقع جديد للعبة حتى فى أعلى مستوياتها.. والمؤكد أيضا أن أحد أبرز عجائب المونديال الضعف العام للمستوى، وهو ضعف شمل الجميع فى كل القارات والمدارس الكروية لدرجة أن الناس لم تشعر بالمتعة التى تعودت عليها فى بطولات كأس العالم.. والمفارقة البارزة أن أفريقيا سقطت فى قارتها.. لأول مرة تنظم المونديال على أرضها لكن لم تقدم المستوى الذى توقعناه على ضوء ما قدمته فى بطولات سابقة..
ومن عجائب المونديال إلى غرائب الانتقالات.. ومبدئياً انتقال لاعب من ناد لآخر لا نحسبه من قبيل الغرائب لأن هذا معتاد فى سوق الاحتراف.. إلا أن الكرة المصرية لا تريد أبداً أن تتخلى عن هذه الفوضى وهذا العبث الذى وصل إلى حد الاقتتال وسيناريوهات أفلام الأكشن وخطف اللاعبين وإخفائهم كما لو كانوا معتقلين.. علاوة على الظاهرة التى لا تريد أن تختفى أبدا وهى اعتياد الأهلى والزمالك على مخالفة قواعد التفاوض والتوقيع واستباق موسم الانتقالات بالحصول على توقيع لاعبين فى وقت غير قانونى ليصبح الانتقال فى كل مرة أزمة تأخذنا إلى منطقة جديدة أكثر تطوراً وخطورة فى التعصب.. وفى هذه الأيام نشبت معركة بسبب «جدو» نجم الاتحاد والمعتصم سالم مدافع الإسماعيلى.. وكرر اللاعبان ما سبق للاعبين آخرين من أفعال متناقضة.. فهم جميعا يموتون عشقاً فى النادى الذى يقترب من التعاقد معهم، وعندما تتغير ظروف المفاوضات يعلنون فوراً أنهم يموتون عشقاً فى النادى الآخر الذى ازدادوا منه اقتراباً..
وبصرف النظر عن عشق الأهلى فى أن يضع الزمالك دائماً فى موقع النادى المستسلم الغلبان الذى لا حول له ولا قوة باختلاق معركة سنوية حول أى لاعب يفوز به فى النهاية ليبدو الزمالك مهزوما أدبياً ونفسياً.. وإذا كان من حق الأهلى أن يفعل ذلك انطلاقاً من حريته فى ضم ما يحتاجه فريقه من لاعبين ثم حقه أيضاً فى أن يبدو هو الأقوى بما يعزز شعبيته ونفوذه.. فإن الزمالك له حق هو الذى يهدره بيده.. حق فى أن يقف ندا للأهلى حتى فى الخطأ ما دام الخطأ أصبح شائعا.. وهو لا يستطيع ذلك لأنه ليس محكوما بمنظومة تفكر وتخطط وتهتم بالتفاصيل وتتعلم الصبر على عمل تقوم به وتسأل عن قانونية قضية تواجهها.. وكما قلنا من قبل لن ينضبط الاحتراف المصرى إلا بانضباط المؤسسة التى تدير اللعبة وهى اتحاد الكرة الذى لا شأن له بالواقع الآن ولا يعنيه من كرة القدم إلا الدفاع عن وجود مجلس الإدارة.. ولن ينصلح الحال إلا إذا جاء من يستطيع أن يفجر ثورة تصحيح تقضى على مراكز القوى.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة