يارا يا سادة هى ابنتى الكبيرة، وما أن انتهت امتحاناتها منتصف الأسبوع الفائت على خير، وبرداً وسلاما، حتى ألحت يؤازرها شقيقها لتمضية الأمسية خارج المنزل، ابتهاجا بانتهاء العام الدراسى الحافل بمسلسل أنفلونزا الخنازير، وما صاحبها من رعب وفزع لم تخلُ منه بيوتنا جميعاً فى النصف الأول من العام الدراسى. استجبت طواعية لرغبتهما الجارفة فى الانطلاق والمرح، واشتمل برنامجنا الترفيهى على دخول السينما، ولم تكد تمر دقائق على جلوسنا داخل قاعة العرض، حتى انتبهنا على صوت وقوع ابنتى على الأرض، جراء اصطدام قدمها بشىء بارز فى الممر الفاصل بين الكراسى.
الحادث أسفر عن جرح غائر فى ركبتها، فما كان منى إلا أن سارعت بأخذها لأقرب مستشفى، لكى تتلقى الإسعافات الضرورية، وذهبنا لمركز طبى معروف فى مدينة نصر يقصده مئات المرضى على مدار الساعة. بعد الكشف أوصى الطبيب بتخيط الجرح على وجه السرعة، ونصحنا مشكوراً بالنزول لقسم الطوارئ لعمل اللازم، ما شاهدته داخل هذا المكان هو جوهر ولب الموضوع الذى أود مناقشته، حتى ولو اعتبر العديد أنه ليس بجديد، وسبق تناوله فى صور شتى. الطوارئ كانت عبارة عن مجموعة غرف صغيرة مكونة من سرير ودولاب أدوات طبية، فضلا عن جهاز لتعقيم ما يستخدم من معدات، وحوض لغسل اليد، وكان المشهد باعثا على القلق من جهتى كأب تعالج ابنته فيه.
فقد هالنى عدم الاعتناء بنظافة موقع يفترض أنه من الأماكن الحساسة والمهمة فى أى مستشفى، لأنه مسئول عن معالجة الحالات الحرجة والمستعجلة فيه، فالحنفية لم تكن محكمة الغلق والمياه تتسرب منها بشكل متواصل، وأحاطت بجنبات الحوض. صدمنى أيضا أن جهاز التعقيم كان يحتاج إلى تعقيم عاجل، حيث رأيت أغلب الأدوات الملقاة داخله غير نظيفة تماما، وكان اللون الأصفر يكسو الكثير منها، مما يدل على أن تنظيفها لم يتم بالصورة المناسبة. ويقينا فكلنا يعلم بديهية أن تلك الأدوات يجب أن تكون نظيفة للغاية، لتجنب انتقال العدوى والأمراض، بالإضافة لذلك كانت بعض جوانب الحوائط متآكلة، وفكرت للحظة فى المغادرة والذهاب لمستشفى آخر، لكن آلام يارا أجبرتنى على البقاء، ووجهت جل تركيزى صوب ما يفعله الدكتور والممرض، خشية أن يستخدما بعض المعدات غير النظيفة، وأن يحدث ما لا تحمد عقباه.
وفى الحقيقة فقد عمل الطبيب ـ ممارس عام ـ بقدر استطاعته بما يتوافر تحت يده من إمكانيات محدودة وظروف عمل متواضعة لأبعد حد يمكن تصوره، ولم أكن فى وضع يسمح بمطالبته بالمزيد، ولو أننى كنت أتوقع أن يطالب بتنظيف المكان جيدا، غير أن الواقع كان يفصح عن أنه ليس بالإمكان أبدع مما كان.
سيقول كثيرون يا عم حال هذا المستشفى مثل غيره، وما أكثر ما كتب وقيل عن حال الرعاية الصحية فى القاهرة والمحافظات الأخرى، ومن الآخر لم تأت بجديد. سوف أتفق مع هذا الرأى، لكن الموافقة لا تعنى إغفال القضية وعدم تسليط الضوء عليها بحجة أنها قديمة، وما لم نلح على تغيير هذا الوضع فإنه سيبقى أبد الآبدين وسوف نخسر بسببه الكثير من الأقارب والأصدقاء والأبناء .. الخ. وفى تناولى للأمر أنا لا أتحدث من منطلق شخصى بحكم تعرضى للموقف السابق، بل من منطلق هم عام يشغلنا جميعا. فالرعاية الصحية تعد جزءاً أساسياً من حقوقى كمواطن يود أن يسهم بجهده وعرقه فى رقى هذا البلد المدعو للاهتمام به عند مرضه، وأدنى ما يمكن توفيره بيئة نظيفة لدى تلقى العلاج، ولا أدرى ما صعوبة تنفيذ ذلك.
* كاتب صحفى بجريدة الأهرام
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة