الثلاثة يشتغلونها عندما تسمع هذا الاسم يتطرق إلى ذهنك فيلم سعاد حسنى «الثلاثة يحبونها» ولكن مع ظهور المصطلحات الحديثة مثل لفظ اشتغالة ونشتغلك بذلك قد نكون مواكبين للعصر الحديث ولفظ اشتغالة المقصود بها شخص يسخر من الآخر أو يكذب عليه ولو نظرنا إلى فيلم ياسمين عبد العزيز الجديد الثلاثة يشتغلونها فهى تجربة سينمائية جديدة برع فى كتابتها يوسف معاطى واستطاع إبراز بعض الإسقاطات بأسلوب فكاهى ظريف، فالفيلم يناقش قضية مهمة هى السبب المباشر وراء الكثير من المشاكل التى نواجهها وهى أسلوب التعليم المصرى العقيم الذى يعتمد على الحفظ الأعمى بدون فهم أو إدراك، ولكن لم يكن المقصود فى الفيلم هو التعليم فقط وإنما هذا الأسلوب هو النمط السائد لكثير من المصريين الذين ينساقون وراء أى اتجاه أو أى فكرة بدون فهم أو وعى لما يفعلون فيدور الفيلم حول نجيبة الحاصلة على الترتيب الأول فى الثانوية العامة لحصولها على مجموع 101٪ وهى من الطلبة الذين يعتمدون على حفظ المقررات بأسلوب أعمى دون فهم، وتضطر إلى العمل كمدرسة لتساعد والدها فى استكمال دراستها وتلتقى بثلاثة أشخاص يحاول كل منهما خداعها بأسلوب مختلف، ولأن أسلوب دراستها وتربيتها الخاطئة التى تعتمد على ترسيخ أفكار معينة تتبع رغبة الأهل فى كل شىء دون تفكير تحولها إلى أداة سهلة فى يد الكثير من الخادعين فهى تعبر عن نموذج حى لكثير من المصريين الذين ينساقون وراء أى اعتقاد خاطئ دون وعى أو فهم، فالشخص الأول هو ابن أحد الأثرياء الشخص الفاشل المدلل الذى يتكرر رسوبه فى الجامعة والذى يحاول خداعها عن طريقة إيهامها بالحب لكى تساعده على النجاح عن طريق الغش والثانى هو أحد الثائرين الذين يحاولون استغلال معاناة الفقراء ليصبح زعيما عن طريق الاضطرابات والمظاهرات وتنساق إليه مرة أخرى لتكتشف فى النهاية أنه بعيد كل البعد عن أى مبدأ يؤمن به والثالث هو أحد دعاة الدين الذى يحولها فى لمحة بصر إلى داعية دينية تردد أقاويل وفتاوى لا تفهمها إلى أن تكتشف أيضاً أنه شخص مادى وكل ما يشغله فى الحياة هو تحقيق المكاسب المادية بواسطة الإعلانات للقنوات الفضائية وينتهى بها المطاف كل مرة فى قسم الشرطة إلى أن تقرر أن تصبح شخصية مستقلة فى النهاية وتكون مسئولة عن اختياراتها واستطاع يوسف معاطى بذكاء شديد أن يضع بين أيدينا الحل الإيجابى هو أن نبدأ بأطفال المدارس لأن الأمل دائماً فى الصغار، ولابد أن نزرع فيهم منذ الصغر سياسة الفهم قبل الحفظ لا نعتمد على الأساليب العقيمة فى التعليم والحفظ الأعمى.
لا شك أن الفيلم جيد من الناحية الفكرية، ولكن ظلمه المخرج على إدريس بأسلوب إخراجه الطفولى والذى كرر فيه تجربة الدادة دودى بعد نجاح الفيلم وهى الاعتماد على الحركة السريعة التى تشبه بأفلام الكارتون والمبالغة فى الأداء لياسمين عبد العزيز، ففكرة الفيلم عميقة وقوية، وكان لابد أن يتم طرحها بأسلوب هادئ يجمع بين العمق الدرامى والمواقف الكوميدية، ولكن فى النهاية نقول إن هذه التجربة تعتبر خطوة جديدة لياسمين عبد العزيز التى استطاعت تحطيم قاعدة أن شباك التذاكر موجه للرجال فقط فهى تتمتع بكم من التلقائية والشقاوة وخفة الظل وبالنسبة لأبطال الفيلم الثلاثة، فكل منهم برز فى مساحة الدور الذى يلعبه.