محمد عفيفى مطر مثل الكثيرين من المبدعين الكبار الذين خاصموا المؤسسة الثقافية ظلوا مهملين طوال عمرهم، وأنصفوه فى النهاية.
كانت هذه الكلمات التى اتفق عليها الكثيرون ممن تحدثوا عن الشاعر الراحل الكبير محمد عفيفى مطر الذى رحل عن دنيانا مساء أمس الاثنين عن عمر يناهز الخامسة والسبعين بمنزله فى بلدة "رملة الأنجب" بمركز أشمون محافظة المنوفية.
حيث أكد الروائى والقاص جار النبى الحلو على صداقته العميقة بالراحل الكبير عفيفى مطر، وقال لليوم السابع إنه التقاه أول مرة فى مدينة كفر الشيخ، وكان مطر هناك يصدر مجلته "سنابل"، وبدأ ينشر له بعض أعماله فيها عام 1971، وامتدت علاقته بمطر وصارت حميمة، حتى أنه صادق أولاده وأسرته.
ويشير جار النبى الحلو إلى أن مطر شاعر كبير جدا لم يعرفه أحد، وتجاهله النقاد فترة كبيرة من الزمن، ولم يتم تقديمه بما يليق به، ومارس الكتابة للطفل باقتدار، ويؤكد جار النبى الحلو على أن مطر كان يطلعه على كتاباته للطفل قبل نشرها، لأنه كان يعتبره من كتاب الأطفال المجيدين.
ويقول جار النبى الحلو: آخر مكالمة بينى وبين مطر كانت من 10 أيام، وشعرت بالإجهاد الشديد والمعاناة مع المرض فى صوته، وشعرت بأننا سنفتقده كثيرا.
وقال الشاعر حزين عمر إن محمد عفيفى مطر حالة خاصة من المبدعين فى مصر، وربما لا يتشابه فنيا وإنسانيا مع آخرين.
ويؤكد عمر على أن الإبداع المركب الذى كتبه مطر، كتب فى مقابله الإبداع المبسط جداً وهو الكتابة للأطفال، حيث أنتج مطر عدة أعمال لهم، وكان يفتخر بها، مثلما يفتخر بشعريته وقدرته على الغوص والتصوير فى أعماق الرؤى.
وأشار عمر إلى استقلالية مطر عن مؤسسات الحكومة، حيث عاش معارضاً للكثير من التوجهات الرسمية ودفع ثمنا لهذه المواقف، ومنها اعتقاله فى التسعينيات.
ويضيف عمر: ابتعد مطر بعد ذلك، ولجأ إلى قريته، حيث عاش يزرع أرضه بيديه، تعبيراً عن انتمائه للشعب قولاً وفعلاً، وكان من الطريف أنه ظل مطارداً ليس فقط بمواقفه المعارضة، بل كذلك بشبهة تقليده لأدونيس، وطرقه لمفاهيم القصيدة العربية، مما أدى لاصطدامه مع بعض شعرائنا الكبار أمثال صلاح عبد الصبور، ولم تكن المعركة بينه وبين الشعراء السابقين عليه معركة شخصية، بل حول مفاهيم الشعر وجماليته.
ويؤكد عمر أنه نال بعض الإنصاف فى أخريات أيامه، حيث حصل على جوائز الدولة التشجيعية والتقديرية والتفوق، والجائزة الأكبر التى نالها هى حب المبدعين له وإن أختلف معه الكثيرون حول منطقه الفنى.
جدير بالذكر أن الشاعر الكبير محمد عفيفى مطر من شعراء الستينات، نشر ديوانه الأول "من مجمرة البدايات" فى مطلع الخمسينات، واتبعه بأربعة عشر ديواناً شعرياً كان آخرها "المنمنمات" الذى صدر منذ عامين عن الهيئة العامة لقصور الثقافة.
وكان للراحل الكبير عدة معارك ثقافية متعددة دخلها رغما عنه، حيث تسبب خلافه الشعرى مع الراحل صلاح عبد الصبور إلى منع دواوينه من النشر حيث كان عبد الصبور وقتها رئيسا لهيئة الكتاب الذى أقسم أمام عدد من الشعراء والأصدقاء أنه لن ينشر له ديوانا ولو على جثته، كما رفضت نفس المؤسسة الثقافية نشر دواوينه فى عهد رئيسها الأسبق سمير سرحان، رغم أنه وقع معه عقدا، وهو ما دفع مطر لنشر أعماله الكاملة فى دار الشروق التى أصدرتها فى ثلاثة مجلدات.