على عوض الله يكتب: "قصة مقالويّة.. مازال الذى كان يلاحق الذى أصبح"

الإثنين، 28 يونيو 2010 02:05 م
على عوض الله يكتب: "قصة مقالويّة.. مازال الذى كان يلاحق الذى أصبح"

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى مطعم نصف أرستقراطى ملحق بفندق من نجمتين، رأيت بوضوح، ولأكثر من مرة، نذالة الطبقة الطالعة من مجانية التعليم، والعائدة بعد التخرج من قلب الصحراء، ومن وراء البحار، مُعلّقة ورق الشهادات التعليمية فوق الحائط، مُخزّنة الشهادات البنكية الحاملة لأشهر عملتين عالميتين، والى جوارهما تقبع بخجل شهادات الجنيهات المصرية لزوم مصاريف البيت.. اللهم زدهم ثراءً فوق ثراء، وافتراءً فوق افتراء، وافتراقا عن الطبقة التى كانوها فوق افتراق.. اللهم آمين يارب العالمين.. الانتقال الفجائى بين حال ملاصق لتراب الشارع، وحال آخر يكاد يلاصق السحاب، يُفرتك الشخصية إلى شخصيتين غير مكتملتين.. كل منهما يدير ظهره للآخر لعله ينساه.. لكنه نسيان أشبه بنسيان أن للمرء كبدا طالما هو شغّال.. لا يستشعره المرء إلا إذا قلت كفاءته.. شخصية الفقر التى لم تعد كاملة الملامح مازالت تشتغل وهى إلى جوار شخصية الثراء التى لن تكون كاملة الملامح.. لذا لا تشعر الشخصية الثانية بالشخصية الأولى التى تعمل فى لاوعى شخصية الثراء.. مالذى قلّب مواجعى وأتانى على حين غرة بما ذكرت توّا؟.

أسرة كاملة: زوج وزوجة وابن قليل الحجم مازال، وجد وجدة وفتاة لعلها أخت الزوجة، استدارة وجهيهما الممتلئين، أنبأتنى بذلك.. جلسوا لتناول الغداء حول مائدتين، إحداهما كبيرة تسع ست أفراد، هم كل المجموعة.. على كل جانب ثلاثة أفراد.. إلا أنى فوجئت بأن الزوج وأبيه، لعله أبو الزوجة، ليس هذا مربط الفرس فيما أقصده من وراء هذه الحكاية، وأمه أو أمها، يجلسون فى الجانب المواجه للنافذة المطلة على البحر، والزوجة وابنها قليل الحجم كما ذكرت يجلسان فى الجانب المواجه لهم.. والسادسة تجلس وحدها خلف المائدة المجاورة.. تأملت الموقف مرة أخرى لعلى أخطأت.. رأيت السادسة هذه تلف شعرها بمنديل لم تعد تعرفه سوى مسلسلات التليفزيون التى لا ترى الخادمات إلا بمظهر معيّن ذا طابع تاريخى طبقى.. طبعا هم لم يبعدوها عنهم، لكنها هى التى اختارت مسافتها الاجتماعية.. وهم حرصوا على ألا ينبهوها الى وجوب الجلوس معهم.. هى مظهرهم الطبقى الجديد.. إعلانهم المدفوع أجرا وأكلا.. مرآتهم التى كلما وقعت أبصارهم عليها رأوا ماضيهم الذى قد لا يكون مثلها بالضبط، بل قد يكون من شريحة اجتماعية أعلى داخل الطبقة الشعبية ذاتها.. برؤيتهم للمرآة يرون المسافة البعيدة مابين ما كانوا، وبين ما أصبحوا.. لكن فى لحظة غادرة للاطمئنان تبادرهم فكرة أنهم مثلما صعدوا جريا فوق سلالم النمو الطبقى، قد يهبطون بسرعة أكبر نحو القاع مأواهم الذى كان.. والتجربة الاجتماعية عرفت أن الهبوط أيسر من الصعود.. وما جاء فجأة قد يرحل فجأة.. وقال مرة كاتب ساخر لعله أنا : ربما لم يستطع الجهاز الهضمى لدى بعض الخلق من الناس أن يهضم المثانات الهوائية لأسماك النيل والبحر، فصار لهم عنقودا منها جعل صعودهم وهبوطهم أمرا طبيعيا، وبالتالى لا غبار عليهم.. كل ميسر لما خُلق له.. فلماذا كان ماركس ولينين إذن؟.. أم أن المسألة وجع دماغ، وشغل بال حتى لا يمل الفقراء حياتهم إن ضاع منهم الأكشن والصاصبنسمن.. ولما كنت أحيانا لا أحب الالتصاق بالواقع الجاف، ولا بالتعلق بخيال حاف من شريحة نصف نيئة من المعقول، قستُ المسافة بينهما بالنظر، واتخذت لكلامى المدفوع بقوة النبوءة الكارثية: ما جاء فجأة قد يذهب فجأة، مسارا بينهما، لذا وجود هذه المرأة السادسة مهم بالنسبة لهم إذ هى خيال المآتة المانعة للغربان الحالكة السواد من الهبوط فوق قلوبهم تنقرها بلا ملل حتى تختفى آخر وظائفها البيولوجية، بعدما انتهت وظيفتها الانسانية.. وبالتالى لا يصبح للجسم المتمتع بكل مالذ وطاب وجود.. لذا هى ليست فحسب خيال مآتة، بل هى أيضا مايقيسون بها كل يوم المسافة بين صورتهم الجديدة وصورتهم القديمة، فإن نقصت ولو سنتيمترا واحدا أصابهم الكدر، وعملوا على زيادة تراكمهم المالى بأى شكل من الأشكال، حتى ينتقموا من هذا السنتيمتر الذى غافلهم لصالح الصورة القديمة.. وإن ابتعدوا سنتيمترا واحدا حمدوا الله على نعمائه، وكأنه لهم وحدهم، لا لهم وللمرأة السادسة سواء بسواء، والتى لم يحالفها الحظ وتُصاب بعدوى التسامى الذى صار قاعدة عامة، لا استثناءا خاصا كما فى طبيعة الكيمياء التى تسمح لقليل من العناصر بحرية الانتقال من حالة الجفاف الممسوك الى حالة التبخر المفلوت، دون المرور بحالة السيولة التى مرت بها مجتمعات أوروبا الشرقية فى تسعينيات القرن الماضى والتى لم تتأثر بها أو بالحالة المصرية الخاصة أمثال هذه المرأة السادسة التى ارتضت لنفسها أن تكون ظلاّ مربوطا بنعالهم، أحيانا يسبقهم ليروه، وأحيانا يرتمى خلفهم ليراهم.. تبادل الرؤية يخلق الموافقة الاتباعية، فلا يستغنى أحدهما عن الآخر، ومن ثم لا يبقى للمرأة السادسة سوى البحث عن يومها السابع فى كنف هذه الأسرة علّة هذا الوطن الذى لا شفاء له إلا بموتها المجازى على الأقل.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة