براء الخطيب

قرّب.. قرّب.. قبل ما يلعب

الأحد، 27 يونيو 2010 07:18 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يظهر على الشاشة فى برنامجه التليفزيونى مرتديا قناع "تحوت" الحكيم (رب) الحكمة عند الفراعنة، وعندما يكتب مقالته فى الصحيفة القومية يستعير وجه "أثينا" المراوغة (إلهة) الحكمة والحرب والتخطيط وابنة (الإله) "زيوس" المفضلة عند الإغريق، ولا يكف عن مدح موظفى ووزراء النظام الحاكم، أو مقالاته فى بعض الصحف المستقلة التى نجح فى التسلل إليها مستعينا بكل إمكانياته الضخمة فى النفاق والتزلف، وما أن يظهر على شاشة التليفزيون يفاجئ المشاهد كما لو كان من بعض تجار الرصيف الذين يجلسون على الرصيف ينادون على بضاعتهم المهربة والتى لم يبذلوا فيها مجهودا سوى سرقتها من الآخرين.

لكنه غالبا ما يظهر على الشاشة وهو يتقمص شخصية المنادى الذى يمسك فى يده الميكروفون الصغير كما كان يقف المنادى على باب "تياترو عايدة صابر" الذى كنا نرتاده فى طفولتنا فى مولد العارف بالله "سيدى إبراهيم الدسوقى" فى مدينة دسوق بمحافظة كفر الشيخ، حيث كان "منادى التياترو" يصرخ فى رواد المولد ليحثهم على الدخول قبل نفاذ المقاعد، وهو يصرخ فى الميكروفون: "قرّب.. قرّب.. قبل ما يلعب" والذى كان يلعب هو "الرجل الكاوتش" الذى كانت تقدمه الفنانة "عايدة صابر" كفقرة أساسية قبل تقديم مسرحيتها على خشبة التياترو.

وبالرغم من هذه الأقنعة، وبالرغم من طريقة أدائه فى تقديم برنامجه الذى يبدأه دائما على طريقة "قرّب.. قرّب.. قبل ما يلعب" فإنه لا يستطيع أن يخفى جهله إذا ما تحدث باللغة العربية الفصحى فينصب الفاعل ويرفع المجرور ويرفع المنصوب فى ثقة الجاهل بنفسه كما تظهر أخطاؤه الإملائية والنحوية فى مقالاته، وهى مقالات فى مجملها نوع من "الطبيخ البايت" الذى يكون غيره قد قدمه ثم يأتى "هو" ليعيد تقديمه بعد محاولة تسخينه، معظم مقالاته يستوحى أفكارها وما بها من معلومات وطريقة العرض لهذه المعلومات يستوحيها من مقالات منشورة فى صحف أخرى غير الصحيفة التى ينشر فيها سواء كانت هذه المقالات لكتاب عرب أو لكتاب مصريين يكتبون فى صحف أجنبية يستطيع "هو" الحصول عليها من "الإنترنت" من النسخ الإلكترونية لبعض الصحف، وبالرغم من هذا فهو دائم الانتقاص من النسخ الإلكترونية للصحافة ويعلى من شأن الصحافة الورقية حتى ولو كانت مسماة بـ"القومية"، بالرغم من أن برنامجه التليفزيونى مثله مثل كل البرامج يعتمد اعتمادا كليا على ما تنشره الصحافة الإلكترونية حتى الصحف المسماة بـ"القومية" التى يتفاخر أنه ينتسب لواحدة منها، وقد أصبحت لا تعيش إلا على "القص واللصق" من المواقع الإلكترونية للصحافة العالمية أو على إعادة صياغة لما كتب ونشر فى النسخ الإلكترونية للصحافة الإقليمية أو العالمية كمن يقوم تسخين الطبيخ البايت لإعادة تقديمه للزبائن.

صحافة "تسخين الطبيخ" المسماة بـ"القومية" استطاع صاحبنا (غير المؤهل صحفيا ولا ككاتب) التسلل إليها عبر التقرب نفاقا زلفيا من بعض نجوم المجتمع فى بداية السبعينيات من القرن الماضى بإجراء الحوارات الهزيلة معهم أو مع بعض نجوم الفن والرياضة أو مع بعض المتنفذين فى نظام الحكم فكافأوه بالتعيين فى أحدها وهو يحمل مؤهلا غير صحفى، ويمتهن مهنة غير صحفية، ولا تسمح له قدراته على أن يكون كاتبا إلا لبعض الحوارات ومع مرور الوقت والإلحاح بدأت "مقالاته" ككاتب تظهر هنا وهناك بحيث تكون "مقالاته" فى الصحف القومية مخصصة لمديح من هو فى نظام الحكم ويدبج بعض المقالات التى تظهر فى بعض الصحف المستقلة، كما لو كانت "مقالات معارضة" مع أنها فى جوهرها مغازلة مفضوحة لرجال نظام الحكم وهو يعرف أن الكتاب الحقيقيين المعارضين لنظام الحكم كانوا قد اختاروا بمحض إرادتهم الرفض التام للالتحاق بـ"الصحف القومية" تعففا وابتعادا عن نظام حكم فاسد واكتفوا بالانضمام إلى كيانات نقابية أخرى غير نقابة الصحفيين، وجلسوا سنوات طويلة على الرصيف قابضين على الجمر، إلى أن ظهرت الصحف المستقلة فرحبت بهم وبما يكتبون، ومع أن نقابة الصحفيين نقابة محترمة تمثل الصحفيين المصريين الشرفاء، لكنها ككل نقابة مهنية ينضم إليها المنافقون والمتسلقون وأشباه الكتاب فى "الصحف القومية" الذين يمتلكون الأسباب "المهنية" للانضمام إليها كمشتغلين بالمهنة، ومع أن "الصحف القومية" ملك للشعب المصرى، بالرغم من استيلاء نظام الحكم عليها، فليس كل من يعمل بها فى نفس هوان صاحبنا الانتهازى بل إنه يوجد فى هذه "الصحف القومية" صحفيون شرفاء وكتاب كبار محترمون لا يسبحون بحمد الحاكم غير أنهم مستبعدون دائما من المواقع القيادية داخل هذه الصحف وإذا نشرت لهم بعض الكتابات، فإنها تنشر فى زوايا خفية وبدون اعتناء بل بإهمال متعمد فيضطرون لنشر كتاباتهم فى الصحف المستقلة.

صاحبنا الذى لا يجيد أكثر من "تسخين الطبيخ" ليس فردا محددا بعينه وليس شخصا واحدا، لكنه نموذج لكل من تجتمع فيه هذه الصفات من الانتهازية وعدم الكفاءة والانتشار الواسع على شاشات التليفزيون وصفحات الصحف لكنه سوف يبقى دائما مثل المنادى المسكين على باب "تياترو عايدة صابر" فى مولد "سيدى إبراهيم الدسوقى" الذى سوف يظل يصرخ دائما بنفس الطريقة ونفس الأداء صارخا: "قرّب.. قرّب.. قبل ما يلعب".
* كاتب وروائى مصرى.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة