تتزامن زيارة فيليبو جراندى المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأنروا)، إلى مصر حاليا- بمناسبة عقد اللجنة الاستشارية للأنروا بالقاهرة لأول مرة منذ 60 عاما- مع عدد من الأحداث الهامة والمؤثرة فى وضع القضية الفلسطينية، وتحديدا فى حالة الحصار المفروضة على غزة منذ فترة طويلة، حيث برز إلى السطح قرار الحكومة الإسرائيلية بتخفيف الحصار على القطاع الذى يعانى سكانه من غياب المتطلبات الحياتية الأساسية مثل توفر الغذاء والدواء، بعد الهجوم الذى قامت به القوات الإسرائيلية على قافلة الحرية التى كان من المفترض أن تنقل مساعدات إلى أهل غزة.
(اليوم السابع) التقت جراندى خلال زيارته للحديث عن أوضاع اللاجئين الفلسطينيين ومدى تأثير الوضع فى الأراضى الفلسطينية المحتلة على المجهودات التى تقوم به الأنروا.
- ماذا كانت خططك منذ توليك منصب المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أنروا) خاصة وأنها كانت بالفعل تعانى من بعض المشكلات؟
- لدى خطط أكثر طموحا من مجرد جمع التمويل للأنروا، لأننى إذا كان لدى المال كنت سأمتلك عددا أكبر من الخطط، كنت سأطور مهمة أنروا بشكل أكبر والتى تتمثل فى منح الفرص للاجئين وخاصة الشباب منهم، ونحن لدينا عددا من برامج التعليم الكبيرة والقديمة، والراسخة للأطفال الفلسطينيين، حيث نعتبر أحد أكبر - إن لم نكن الأكبر بالفعل – المعاهد التعليمية غير الحكومية فى العالم، وأعتقد أن ذلك يمثل أداة هامة لنقل عددا من القيم للأطفال ومساعدتهم للنضج فى مجال صحى من الناحية الفكرية، واكتساب المعرفة.
- واجهت ميزانية الأنروا من قبل أزمة فى عملية تمويل الأنشطة التى تقوم بها، فما هو الوضع الحالى؟
- نواجه العديد من معوقات خلال عملنا نظرا لندرة المصادر، ورغم أننى أريد أن أقضى وقتى بأكمله محاولا تحسين نظام التعليم والصحة ولكننا طوال الوقت مقيدين بما تسببه ندرة الموارد، حيث لدينا 103 مليون دولار عجز فى الميزانية وهو أمر درامى لأننا مازلنا فى منتصف السنة المالية للأنروا ومع ذلك نواجه هذا الكم الهائل من العجز المالى، وقد خضنا الكثير من المناقشات مع المانحين فى مصر وخارجها وأتمنى أن يأتى أحدهم فى نهاية الأمر لإنقاذنا ولكن كل عام الأمر يصبح أكثر تعقيدا، وتلك تعد أحد المشاكل التى يجب أن يتم التعامل معها وحلها على المدى الطويل.
- كيف تنوى التعامل مع تلك الأزمة؟
- بعض المانحين من الدول يجب أن يعطونا المزيد من المال، وسأخوض عددا من المناقشات الهامة مع الأمريكيين والمفوضية الأوروبية حول ذلك، كما أننا نحتاج إلى توسيع قاعدة المانحين ولن أخجل من القول إننا نحتاج لإقناع المانحين فى العالم العربى أنه إلى جانب تبرعاتهم السخية التى تتم وقت الأزمات والطوارئ لابد أن يساهموا بشكل أكبر، أو على الأقل بالحد الأدنى الذى أوصت به جامعة الدول العربية لميزانية الأنروا المعتادة، فالميزانية كلمة وجافة ولكن يوجد خلفها العديد من الأنشطة الحقيقية مثل المدارس والرعاية الصحية، وغذاء وخدمات لتحسين كفاءة الخدمات التى نقدمها للاجئين.
- تميل الدول العربية إلى الاهتمام بالجانب السياسى من الصراع أكثر من الجانب التنموى الذى تتحدث عنه، كيف تنوى إقناعهم بأهميته؟
أعتقد أن المانحين العرب هامين للأنروا والفلسطينيين، وأمير الكويت منح 4 مليون دولار للأنروا وقت الحرب على غزة، وهو أمر هام وإنسانى ولكن الجانب الغائب هو المساعدات المنتظمة والتى نجدها منتشرة بشكل أكبر فى الدول الأوروبية، وهو بعد آخر للمساعدات لم يجذب أنظار الحكومات العربية بعد، حيث يهتموا أكثر بجانب المساعدات الطارئة والمشروعات الخاصة، وما أحوال فعله هو شرح الأمر لهم.
- بخلاف المشكلة التى تواجهونها مع الميزانية ما هى المشاكل الأخرى التى تواجهكم، فى غزة تحديدا والأراضى الفلسطينية؟
- المشكلة الضخمة هى الاحتلال الإسرائيلى، وقد قلنا من قبل إن هدف الأنروا هو التنمية البشرية، ولكن الاحتلال هو الكيان المضاد لذلك، وهو يتجلى فى عدة أشكال، وقد واجهنا الشهر الماضى مشكلة المستوطنات فى الضفة الغربية وتكثيف عملية احتلال الأراضى وإزالة المنازل، وعدد من الانتهاكات الأخرى لحقوق الإنسان للمواطنين الفلسطينيين، منها انتهاكات حدثت بالقرب من مكتبنا بالقدس حيث تم طرد عدد من الفلسطينيين خارج بيوتهم إلى الشارع.
فالمشكلة بشرق القدس خطيرة جدا، والآن تحولت الأنظار مرة أخرى إلى غزة بسبب الحادث المأساوى الذى وقع لسفن المساعدات، وقد فتح أعين العالم على مشكلة طويلة المدى ألا وهى حصار غزة وقد تحدثنا عنها كثيرا منذ 2007، ويبدو أنه لم يكن هناك من يستمع إلينا عندما نتحدث بأنفسنا، ولكن هذه المرة هناك حشد يقولون إن حصار غزة أمر سخيف وغير إنسانى وغير قانونى، والآن هناك فرصة –قد تكون للأسف نتاج حادث مأساوى ولكنها على الأقل فرصة- لرفع الحصار عن أهل غزة الذين لا يمتلكون أى أجندة سياسية.
- ماذا فعلتم لهؤلاء الذين فقدوا منازلهم وتعرضوا لتلك الانتهاكات؟
- الأنروا مهمتها بالأساس اللاجئين المسجلين لديها، ولكن غالبا ما تؤثر تلك الحوادث على اللاجئين وغالبا هم الأضعف والأكثر عرضة لتلك الانتهاكات لذلك نقدم لهم المساعدة بمختلف الأشكال، مثل المساعدات المادية فى حالة طردهم من منازلهم وأحيانا نساعدهم فى اللجوء للمساعدة القانونية والإرشاد والتدخل مع السلطات الإسرائيلية، وننجح فى ذلك بعض المرات، ولكن فى الأغلب نفشل لذلك نتحدث عن الأمر علانية.
- من يتحمل اللوم الأكبر فى المشاكل التى تواجهكم فى غزة، حماس أم إسرائيل؟
- ما أريد أن أقوله هو أنه من غير المقبول إن هناك تعدادا سكانيا يبلغ عدده مليون ونصف المليون أمنيتهم القصوى فى الحياة هى إرسال أطفالهم للمدارس والعيش حياة طبيعية، وشراء طعام كاف، ومن غير المقبول أيضا أن السياسة تحتجز هذا العدد من السكان كرهينة، وأنا أحمل الجميع مسئولية ذلك، كل من يشارك فى السياسة بالمنطقة يتحملون المسئولية، ولن يكون مقبولا أبدا أن تحتجز السياسة أفرادا مدنيين أبرياء حبيسون لتخيلاتهم، السياسة هامة ولكن نتائج السياسات السيئة لا يجب أن يكون لها أثر سلبى ومأساوى على جيل بأكمله، مثلما الحال الآن فى غزة وفلسطين بأكملها.
- كيف ترى القرار الأخير لإسرائيل بـ"تخفيف" الحصار على غزة؟
- الكلمة الرئيسية فى السؤال هى "الرؤية"، فنحن لم نره بعد، رأينا فقط النص الخاص بالقرار وهو إلى حد ما واسع النطاق وربما يكون هناك مؤشرات واعدة فى ذلك ولكن كما قال تونى بلير مبعوث اللجنة الرباعية لعملية السلام يجب أن ننتظر لنرى كيف سيتم تنفيذه، فالشيطان سيكمن فى كل التفاصيل الخاصة بتنفيذ ذلك القرار.
- هل أنت متفائل أم متشائم بشأن هذا القرار؟
- أنا فى مرحلة انتظار النتائج.
- قافلة الحرية، هل كنتم تتوقعون أن تحدث القافلة التغيير لقطاع غزة أو فى الأراضى الفلسطينية المحتلة، وماذا كنتم قد قدمتم أى مساعدة للأفراد الموجودين على متنها؟
- ما أطلق عليه "الأسطول" لم يتم ترتيبها من خلالنا ولكن من خلال جماعات مستقلة، ما يجب توضيحه هو أن هذه الإيماءة الرمزية التى انتهت نهاية مأساوية كانت بمثابة صيحة أيقاظ للعالم، للنظر لمأساة غزة، كان هناك العديد من الفرص فيما سبق، ولكن تم تفويتهم واحدة تلو الأخرى من قبل اللاعبين السياسيين، ولكن فى النهاية مجموعة أفراد لديهم شجاعة إلى حد ما قرروا أن يبحروا إلى غزة، لم يكن من المفترض أن يصل الأمر لهذا الحد الخطير، وأتمنى ألا يتكرر مرة أخرى لأنه سيعرض الناس إلى مخاطر، ولكن إذا لم يكن هناك تقدم فى عملية رفع الحصار عن غزة، فمخاطر حدوث تلك المآسى ستكون موجودة، وسيكون أمر مأساوى أن يتكرر مثل هذا الحادث، ولقد تابعنا هذا الأمر بغم كبير، ونأمل أن الفرصة يتم استغلالها لتزويد قطاع غزة بالمواد المطلوبة بطريقة آمنة وبسيطة، وللسماح بتصدير منتجات قطاع غزة إلى الخارج.
- ولكن هذا الحادث كان سببا فى اتخاذ قرار لتخفيف الحصار عن غزة وجذب أنظار العالم كله إلى معاناة غزة مرة أخرى، كما أنه لم يتوقع أحد أن ينتهى تلك النهاية المأساوية؟
- قمت مع منسق الأمين العام للأمم المتحدة بالقدس بإدانة الحادث وتركيز الضوء على أن الوقت حان للجلوس معا ومناقشة المشاكل التى تواجه القطاع، فقتل المدنيين أمر لا يمكن التسامح معه ويجب إدانته بشدة.
- هل تنوون القيام بحملة فى الأنروا لجذب أنظار العالم مرة أخرى لمعاناة اللاجئين الفلسطينيين، والتركيز على الجانب الاقتصادى للمعاناة وليس فقط الجانب السياسى الذى يهتم به السياسيين؟
- هذان الأمران ليسا منفصلين، ولقد واصلنا عملنا ريثما يتم التوصل للحل السياسى الذى استغرق الكثير من الوقت، فنحن نعمل منذ ما يزيد عن 60 عاما، وقد عملنا على توفير الفرص للاجئين، لابد أن يدعمنا المانحون فيما نقوم به، لأن هناك تعدادا سكانيا آخر يعيش بالمنفى ليس لديه حلول سياسية، وحرمانهم من الفرص المتاحة سيمثل كارثة للمنطقة، ولكننا ندعو القادة أيضا إلى إيجاد الحل السياسى.
- وكيف ترى الدور المصرى فى دعم الأنروا؟
- مصر لها دور هام لتلعبه فى المنطقة، فمصر تساعد فى السماح بحركة المواطنين عبر معبر رفح، ومن خلال علاقاتها بدول المنطقة حاولت التأثير فى الحكومة الإسرائيلية لرفع الحصار عن غزة، ولعبت دورا إيجابيا فى تبنى عملية المصالحة بين الفصائل الفلسطينية وأعتقد أنه يجب تقدير مصر على تلك المجهودات، ولكن بالطبع مصر فى موقف صعب ومعقد ولكنى أتفهمه جيدا، وأؤمن أنه لا يجب الضغط على مصر بسبب تلك المشكلات التى تواجهها، ولكن مصر يجب ألا تنسى محنة أهالى غزة، وأن تساعدهم قدر استطاعتها، رغم أنها لا تتحمل المسئولية الأساسية ولكن تتحملها الحكومة الإسرائيلية، وعندما أتحدث مع المسئولين المصريين أتلقى ردودا متجاوبة، وتفهما كبيرا جدا لما أناقشه معهم.
مفوض عام الأنروا: المشكلة الضخمة التى تواجهنا هى الاحتلال الإسرائيلى.. نحاول إقناع الدول العربية بالمساهمة بالحد الأدنى فى ميزانية الوكالة.. النهاية المأساوية لسفن المساعدات كان صيحة إيقاظ للعالم
الثلاثاء، 22 يونيو 2010 11:54 ص
فيليبو جراندى المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأنروا)
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة