"بأى ذنب قــُتِل"..
كان هذا التساؤل الاستفهامى الاستنكارى الذى رفعه المنددون بالمقتل البشع للمواطن خالد سعيد على أيدى قوات الأمن المصرى! يحمل من الإدانة أكثر ما يحمل من التساؤل ذاته؛ لم يكن مقتل خالد سعيد مجرد حادث فردى عابر؛ فهو يَحمِل من الدلالات الكاشفة عن الانحدار الذى وصلت إليه الدولة المصرية الكثير والكثير جدا.
بأى ذنب قُتِل؟.. وبأى ذنب يقتل أى مواطن ويُمثل بجثته كل هذا التمثيل الشنيع؟! حتى لو كان بحسب بيان الداخلية الغير مسئول "مسجل خطر" أو مجرم عتى الإجرام. ليس من حق ولا من وظيفة جهاز الشرطة ممارسة هذا القدر اللإنسانى فى معاقبة مجرم أو مسجل خطر أو خارج عن القانون، وخالد لم يكن أياً من هؤلاء. كان خالد (فى حاله) ككثير من المصريين؛ الذين لا تشغلهم السياسة ولا يشغلون أنفسهم بها لم يكن مجتهدا إلا فى عمله (صاحب شركة استيراد).. ومٌحباً للفن.. يلعب موسيقى مع إحدى الفرق الموسيقية.. هذا التكوين الرقيق.. وملامح وجهه البريئة كيف يكون حسب البيان الكِذبة لوزارة الداخلية مجرم؟!
لم يٌجرم خالد سعيد؛ سوى إنه جّرب لمرة؛ مرة واحدة فقط؛ أن يتصدى لفساد فى الجهاز المنيط به حماية أرواح الناس وسلامتهم؛ صدمه الفيديو الذى استطاع الحصول عليه؛ وهو يرى الصدمة أن يكون (كِدة .. وش) حاميها .. مٌفسدِها.. ضباط ومخبرين يقسمون بينهم أحراز مخدرات وأموال دون عمل محضر بهم!
قُتِل خالد بسبب كشفه عن وجود مافيا فى الداخلية!
مصر محكومة الآن بالمافيا: فى الأمن والصحة.. والثروات القومية.. والثروات الطبيعية.. إننا نعيش أشد عصور الاستنزاف.. (والاستهبال)!!
قُتِل خالد لأنه شَذ عن القاعدة التى تعوم عليها مصِر.. وهى "الفساد" الذى عم وطَم! والذى هو امتداد للفساد الممتد من أكبر الرؤوس وحتى أصغرها.
لم يقتل خالد سعيد.. عوض المخبر ولا زميله ولا الضابط.. بل قاتله الحقيقى هو نظام سياسى فاسد.. تَحولت مهمته من السهر على صيانة واحترام كرامة وكيان الإنسان، وهى وظيفة أساسية لكل نظام سياسى ديموقراطى محترم إلى سحل وتدمير وقتل كرامة الإنسان وشخصيته.. وهى علامات كل نظام سياسى متسلِط.
خالد ضحية الحزب الوطنى.. ضحية "من أجله هو"!! ومن سيفرضه علينا (هو) ورجاله! وهو ضحية "مخبرين" أحزاب الأمن فى أحزاب المعارضة الشريفة الذين يعملون على نَسفها وإشعال الحرائق بها.
خالد.. ضحية قانون الطوارئ.. الذى يجعل من أى مٌخبر سلطة لا راد لها.. تكاد تعلو على سلطة رجال التشريع.. والبرلمان.. فمصر تحولت من بلد يحكمها القانون إلى بلد محكومة بمنطق الغاب.
لم تكن حالة خالد سعيد استثناء عن الأصل، فالأصل هو العنف فى مواجهة المواطنين.. هل سَقط من الذاكرة.. ما حدث مع محمد مرسى صياد الدخيلة المقتول من ضابط المٌسطحات المائية؟! الأصل هو التلفيق والكيدية والاستقواء على المواطن الغلبان.
إن مصر تعيش أسوأ عصورها تحت قانون الطوارئ.. وإننى أرى أن تجتمع جهود جمعيات حقوق الإنسان فى عمل واحد لفضح هذا القانون والتشهير به على المستويين المحلى والدولى فى حملة تنديد وتشهير به؛ ليكن اسمها مثلا "الكتاب الأسود للطوارئ"، تعرض فيه قضايا انتهاك حقوق الإنسان المصرى فى حملة كبيرة تستمر حتى إسقاط هذا القانون الفَظ وكفانا قوانين استثنائية.. وليكن شعارها "مصر بلا قوانين استثنائية.. ضد قانون الطوارئ وضد قانون الإرهاب".
إن النجاح فى إسقاط القوانين الاستثنائية هو بداية الإصلاح السياسى الحقيقى حتى قبل الإصلاح الدستورى.. إن إسقاطه كإسقاط "المنسأة التى يٌقال بأن سليمان كان يتكئ عليها!.
وعلى الأصوات المتحججة والمبررة بأنه ضمانة للأمن القومى المصرى أن يكفوا عن "اشتغالنا"؛ وليحلوا مشاكل الأمن المصرى الحقيقية.. فى علاقته بالسودان وجنوب السودان.. وعلاقاتها العربية.. والبحرمتوسطية.. وعلاقاتها مع دول حوض النيل! الأمن القومى الحقيقى يبدأ من كرامة الإنسان المصرى.
محمد مجدى يكتب: وإذا "خالد" سُئل.. بأى ذنب قــٌتِل؟
الإثنين، 21 يونيو 2010 07:38 م
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة