عندما تقترب من بائع الفاكهة وتستحسن الثمار التى يعرضها ويجذبك السعر المكتوب، تفاجأ بأن لافتة الأسعار مغروسة فى الثمار الأقل جودة، وأن الثمار التى جذبتك أغلى سعرا!!
وعندما تستعد لدفع ثمن اللحوم التى اشتريتها يهمس الجزار فى أذنك باقى مبلغ كذا، لأن اللحمة اللى أخذتها مشفية فتضطر صاغرا أن تدفع!!
وعندما تذهب لعمل إجراءات فى أى مصلحة حكومية فقد تفاجأ بمن يطلب منك المعلوم لتسهيل مأموريتك وقد ترى مواطن مثلك يدخل إلى الموظف، ويجلس بجواره ويقوم الموظف بتسخير جل وقته لهذا الضيف الخفيف جدا على قلب الموظف وثقيل جدا على قلوب باقى المواطنين الذى يصطفون فى الصف أملا فى قضاء مصالحهم!!
ولو تذكر كل منا كيف كانت معاناته نتيجة لسوء السلوك الشخصى لبعض الأشخاص عندما تعامل معه لأخذنا المساحة المخصصة لمقالات القراء لمدة طويلة والسؤال الذى نطرحه: لماذا يتحول البعض فى تصرفاته من السلوك السوى إلى السلوك المعوج؟! ولماذا ترتفع درجة الأنا ويتغلب الغرور على بعض السلوكيات، ولماذا أصبح البعض ممن اختصهم الله بقضاء حوائج الناس يتأففون من المواطنين عند التعامل معهم، ولماذا يظن البعض بأن مصائر البشر فى إيديهم ويتعاملون معهم حسب أمزجتهم وانطباعاتهم نحو أصحاب المصالح، إنها جزء من صور السلوكيات المرفوضة التى شاعت فى المجتمع فما أحوجنا إلى تغيير هذه السلوكيات التى باتت تهدد أمن المجتمع وسلامته.
وأتذكر فى هذا المقام قصة التابعى الجليل : محمد بن سيرين الذى اشتهر بتفسير الرؤى حيث اشترى صفقة من زيت الطعام من أحد التجار بثمن مؤجل لحين قيامه ببيعه، واستلم بن سيرين الزيت من التاجر ولما ذهب به وقام بفض غطاء أول وعاء للزيت وجد به فأرا متهالكا فعاد إلى التاجر الذى باعه الزيت، وعرض عليه الأمر، ولكن التاجر أبى إلا أخذ ثمن الزيت ولاشأن له بالفأر وشبهة إصابة الزيت بالنجاسة، ولكن محمد بن سيرين خشى أن يكون هذا الفأر قد دخل على الزيت عند عصره فى المعصرة، وبذلك يأكل المسلمون شيئا نجسا فقام بإهــراق الزيت كله ولما طالبه التاجر بثمن الزيت لم يستطع الوفاء بثمنه، وعندما قام التاجر بمقاضاة بن سيرين لدى قاضى البلاد أمر بحبس بن سيرين لعدم سداد قيمة البضاعة التى تسلمها رغم سمو الغاية التى ابتغاها وهى خوفه على الناس والمجتمع.
