قتلناك يا خالد، والله نحن القتلة وليس أحد، سوانا، لم يسحلك المخبرون، بل نحن الذين سحلناك، وعذبناك وقهرناك، ثم ضغطنا بكل قوتنا على رقبتك حتى اختنقت وجحظت عيناك..
- يا خالد يا حبيبى.. لقد كنا شهود الصمت على ذبحك، كنا الشياطين الخرس، حين جرجرتك أفاعى الشرطة من (النت كافيه) إلى الشارع ضرباً ولطماً ودهساً وسحلاً وجلداً، كنا نراقبك كالحشرات النائمة فى شقوق الجدران، وهم يرمون بك فى «البوكس» ليستكملوا وجبة التعذيب حتى تركوك جثة هامدة مشوهة بلا حراك.
ثم تابعناهم حين عادوا بك كومة من اللحم المهروس، وحين طوحوا بك كأنك بقايا طعام.. حدث كل ذلك يا خالد ونحن فى عز اليقظة، ننظر ونتحسر ونمصمص الشفاه كأننا أعداؤك ولسنا أهلك وإخوتك وآباءك وأمهاتك، تركناك يا خالد كما نترك حقوقنا على قارعة الطريق، ينهبها من لا يملك ليعطيها لمن لا يستحق، تركنا قبلك أرضنا فابتلعها طوفان الفساد، قسموها كالغنيمة أمام أعيننا وتحت سمع آذاننا.. تركنا قبلك مصانعنا وشركاتنا لينخر فيها سوس الفساد، حتى صدأت أعمدتها وانهارت وخسرت وبيعت، ونحن فى حالة «فُرجة» وانبهار كأننا نتابع فيلماً من أفلام «الأكشن» والبعض منا فرح ورقص عشرة بلدى وهو يهرول للمعاش المبكر فرحاً بالرشوة الهزيلة.
- تركناك يا خالد مثلما تركنا أبناءنا وإخوتنا يموتون إهمالاً وعجزاً داخل مستشفيات الجبلى ونظيف، لم نثأر لقتيل واحد من شهداء العبارة، وهم يموتون مرتين.. مرة فى عرض البحر وأخرى فى عرض المحاكمة.
- تركناك يا خالد لزبانية الشرطة، يفعلون بك الأفاعيل، ولم نمنع الجريمة من اللحظة الأولى، لأننا من نفس جنس المخبرين الذين سحقوك على أسفلت الشارع، لا نقل عنهم دناءة وجبناً وخسة، وانحطاطاً، ولو أننا واجهنا كل المخبرين، ووقفنا مع كل خالد قبلك، لكنت الآن بيننا تعيش عزيزاً أو تموت كريماً، ولأصبحنا جديرين باحترام أنفسنا واحترام العالم لنا، هانت دماؤنا يا خالد قبل أن يراق على الرصيف دمك، وقبل أن تتحول كرامة المصرى فى الخارج إلى ذبيحة معلقة.
نعتذر لك يا خالد، كانت موتتك الأولى حين استغثت بنا فلم تجد غير شفاه ممطوطة، كنت تستجير من الرمضاء بالنار، ساعتها أيقنت- يا كبدى وحبة عينى- أنك وحيد وحيد وحيد، وأننا محض سراب، مجرد صور تتراءى لناظريك من بعيد، استسلمت لقدرك أيها الفتى الجميل، حينما كان العدو من ورائك ومن أمامك، قتلك الخوف والفزع والنكران والجبن قبل أن تنهى حياتك أدوات التعذيب الأخرى، فمتَّ مرتين، ثم مِتَّ ثالثة حين روج أشباه الرجال رواية انتحارك بكيس المخدر.
يا خالد، لا تغفر لنا ولا تسامحنا ولا تقبل منا أى اعتذار، لكن أرجوك ابتعد بوجهك الملائكى عن عينى لأنى لا أقوى على النظر إليك، فمشاعر الاتهام تحاصرنى كأننى المسئول الوحيد عن قتلك.. أرجوك يا خالد ابتعد بابتسامتك عن صفحات الجرائد ومواقع النت والفيس بوك، فلم نعد نحتمل ضحايا جدداً لخيبتنا المستمرة والمستقرة.
- يا خالد يا حبيبى، يا إسكندرانى ومعجبانى، أرجوك لا تقبل منا أى تبرير، واتركنا نلقى نفس جزائك، فالمخبرون على الأرصفة والنواصى يستعدون لضحية جديدة، ونحن جاهزون فمن يتقدم؟