شريف حافظ

دولة "الطلاق" الدينية

الجمعة، 18 يونيو 2010 07:38 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
استغربت للغاية عندما قارنت بين الغرب الذى يعمل خارج النص فى نصوص الطلاق، وبلادنا، التى تعمل وفقا للنصوص الدينية فى الموضوع ذاته، ففى الغرب يتم الطلاق طالما اتفق الطرفان وفقا لعقد اتفاق بينهم، وبسرعة. أما نحن الذين نملك النصوص، فإن الطلاق لدينا معضلة ولتتركوا كلماتى إن لم تقتنعوا بها ولتسألوا فى المحاكم وسيحكى لكم المحامون عن "حبالها"، حتى أن الناس لدينا تضحك، كلما ذكرت المحاكم، ويردون بالقول: "أبقى ورينى المحكمة حتعملك أيه؟"
وأنا أكتب اليوم، ليس تهجماً عن النص ولكن دفاعاً عنه ضد سلوكيات البشر، المسئولون بالأساس عن استغلال النص بما يريدون، القصة مثلاً فى الإسلام وعندما سن المُشرع قانون الأحوال الشخصية من داخل النصوص الدينية، تصل إلى حد "الكوميديا" السوداء، فيما يتعلق بأنه اكتشف فجأة أن هناك شيئا يُدعى "الخلع" وكأن التشريع الإسلامى أُنزل سنة 2000!! هل المُشرع لم يكن على دراية بالخلع فيما سبق هذا التاريخ؟ أشك!
كما أن التحايلات القانونية فيما يتعلق بكل شئ، فى مصر اليوم، يؤدى إلى تطويل كل القضايا، مما يجعل العدل "متأخراً" فى إجازات طويلة، حتى يأتى فى النهاية وقد لا يأتى أبداً، ولا يعود الأمر فقط لتحايلات المحامين، حيث يبحث كل شخص عن محامى "عُقر" ، ولكن أيضاً بسبب قلة أعداد القُضاة بالمُقارنة مع القضايا المعروضة فى مصر حيث أصبحنا نعيش فى حالة من الخلافات فى كل مجالات الحياة، وليس فقط فى قضايا الطلاق، التى تستغرق سنوات طويلة قد تتخطى العقد من الزمان!
أما فيما يتعلق بالطلاق فى المسيحية، فإنه قد نُص عليه لغير علة الزنا أيضاً، على مدى "8" قرون ووفقا لـ42 بابا للكنيسة، عملاً بقوانين "ابن العسال" فى عام 1239 ميلادياً وحتى سنة 1938، حيث كانت لائحة المجلس الملى، والتى استمرت فى العمل خارج النص، وعلى اتساع فهم روح هذا النص وليس حرفيته، ثم عُدلت سنة 1955، ليستمر العمل بروح النص أيضاً، حتى جاء قداسة البابا شنودة! وقد غفر المسيح عليه الصلاة والسلام للزانية كما نعرف، فكيف لا يجيز الغفران لمن فشل أو فشلت فى زيجتها؟ هكذا فسر الآباء، سالفى الذكر، النص على اتساعه وروحه!
إلا أن المعضلة اليوم تكمن فى التفسير الحرفى للنص، وفقاً لقداسة البابا شنودة، الذى نحترم حكمته! هذا رغما عن أن البابا شنودة قد استشهد فى كتابه "شريعة الزوجة الواحدة" بلائحة المجلس الملى لسنة 1938، وهو أمر غريب لأنه فى حالة رفضها، فإنه لن يستشهد بها بالأساس! كما أن الغريب أيضاً، أنه وفى القضية التى صدر عنها الحكم الخاص بالمحكمة الإدارية العليا، قام بالاستشكال على الحكم فيما سبق، وكان الأحرى به، رفض القضية برمتها من البداية، والقول بالحرمانية وفقا للنص! وأغرب شئ، أن يتم إثابة غير الملتزم بالملة، وهو فى تلك الحالة الفنانة التى غيرت ملتها إلى ملة مسيحية ثم استخدمت الشريعة الإسلامية لتخلع زوجها، ثم عادت إلى ملتها الأصلية ليسمح لها بالزواج، بينما زوجها الذى التزم بملته الأصلية ولم يغير ملة، "عوقب" ولم يمنح تصريح الزواج الثانى!!!، ما هى نوع الرسالة الدينية والأخلاقية التى ترسلها الكنيسة فى تلك الحال؟؟؟؟ هل يُثاب "المتشكك" فى الملة بل "الرافض" و"الكافر" بها، بينما يعاقب الملتزم بملته؟ إن هذا لعجب العُجاب حقاً، عندما يصدر هذا الأمر من "السلطة الدينية"!!
أما الحديث عن الشريعة الإسلامية فى إطار الدفاع عن موقف الكنيسة اليوم فهو أمر مضحك للغاية، بينما الكنيسة تقر الدولة المدنية! لا أفهم أن تلجأ الكنيسة إلى الحديث عن الشريعة الإسلامية فى مجمل الأمر، ولا أفهم اللجوء إلى التبرير بالشريعة الإسلامية التى تجيز الطلاق والزواج متى استحالت العشرة الزوجية!، لا أرى أن هذا من الحكمة، طالما هناك ثقة فى الطرح!
وأرى أن المسيحيين الذين يريدون الطلاق ومن ثم الزواج الثانى ووفقا لسوابق التطبيق التى قام بها 42 بابا فى إطار قوانين الكنيسة الأرثوذكسية، أمامهم حلان يمكن للدولة أن تساعدهم فى تطبيقه، وذلك بالنظر إلى أن مسألة تغيير الملة إلى طائفة مسيحية أخرى أصبح أمراً صعباً للغاية، والحلان هما:
1- أن تسن لهم الدولة الزواج المدنى، بحيث يكون قانون للطلاق وللزواج المدنى لغير المسلمين، ولا يكون فيه علة الزنى فقط شرطاً للطلاق، ولكن تطبق فيه لائحة المجلس الملى لسنة 1938 أو ما يزيد، وفقا لرؤية المختصين فى هذا الشأن.
2- أن تعترف الدولة بمجمع كنيسة "السيد ماكسيموس ميشيل"، وأن تكون كنيسته كنيسة رسمية بمصر، وبالتالى، يلجأ إليه من يريد من الأقباط ليستخدم التفسير الواسع لنص الطلاق، وفقا لاعترافه بلائحة المجلس الملى لسنة 1938، كما قد عبر فى أكثر من منبر.
وربما كان الحل الثانى أفضل للدولة، فى حال استحال تطبيق الزواج المدنى اليوم، لما يُشاع من صعوبة تطبيقه فى مصرنا اليوم، وهو حل يبعد الجميع عن إغضاب قداسة البابا شنودة، وفى الوقت نفسه يحل المعضلة التى نتعرض لها اليوم، بتمكين المواطنين المسيحيين من تحقيق رغبتهم فى الطلاق والزواج دون أدنى مُشكلة.
لو كان قداسة البابا قد حل تلك المسألة داخل جدران الكنيسة، لما كان الموضوع قد وصل إلى ساحة القضاء، ولو أن قداسته كان قد اعترض على تناول الأمر من البداية فى القضاء، لكان الأمر لم يصل إلى تلك النقطة المعضلة من الأزمة ما بين الكنيسة والدولة! الموضوع كان يسير التفسير وفقا لمن سبق البابا شنودة من باباوات الكنيسة الأرثوذكسية، كما هو موضح فى القوانين السالفة الذكر والتى تم إقرارها بالكنيسة من قبل من كانوا ليسو بالعُصاة أو الكفار ولكن المؤمنين بالمسيحية!
إن هذا الأمر لهو أمر أساسى وبديهى، لا يجب أن نناقشه كثيراً ويجب أن يحل سريعا من قبل الدولة، وأن نلتفت لمعضلات الوطن الحقيقية، وأن نتذكر رحمة الله فى سن التشريعات لنا جميعاً، مسلمين ومسيحيين.
لو أننا رأينا الدولة تؤسس وفقاً للنصوص الدينية مع تطبيق الأفراد لها، كما سبق إيراده على الجانبين وفى أمر صغير، لتحولت دولة الطلاق الدينية تلك، وفى حجمها الكبير إلى دولة دينية صعبة المضى قُدماً، لأن النصوص تطبق من قبل بشر، والبشر يتحايلون فيما يتعلق بالطلاق فى قانون الأحوال الشخصية للمسلمين، بينما يفهم النص حرفياً، دون روحه، فى المسيحية، مما سيجعل الدولة صعبة الحركة والتقدم للأمام، فيما هو أكبر من مجرد نصوص للطلاق!
إن النص بالكتاب المقدس، لملىء بالحكمة بالفعل، "إن ما جمعه الله، لا يفرقه إنسان"! إن ما جمعه الله "بالمحبة" لا يمكن أن يفرقه إنسان بالفعل! فإن زالت "المحبة"، لا يمكن أن تستمر العشرة بين زوجين، مهما كانت ديانتهما، لأنهم فى النهاية بشر.. ونحن لا يمكننا أن نرى بشر يتعذبون ويرمون أنفسهم "بالزنا" زورا كى يُطلقوا!
فلنجعل أساس كل ما نمضى على أساسه كمصريين هو المحبة، كما قال المسيح عليه الصلاة والسلام، لأن بالمحبة يمكننا أن نصنع المعجزات ونصل إلى غايتنا ببناء الدولة المدنية التى تحترم الأديان فى مصرنا الحبيبة بإذن الله.
* أستاذ علوم سياسية.






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة