«اليوم السابع» تنشر أدلة براءة «شهيد الطوارئ» من تُهمتى الاتجار بالمخدرات والتهرّب من الخدمة العسكرية

الجمعة، 18 يونيو 2010 01:34 ص
«اليوم السابع» تنشر أدلة براءة «شهيد الطوارئ» من تُهمتى الاتجار بالمخدرات والتهرّب من الخدمة العسكرية خالد سعيد
كتب - بهاء الطويل ومحمود عبدالراضى - تصوير: أحمد إسماعيل

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
◄◄ مسؤول برئاسة الجمهورية طالب المجلس القومى لحقوق الإنسان بالتدخل لمواجهة «فضيحة التعذيب»
◄◄ محامى الأسرة: خالد ترجّى قتلته قائلاً «حرام أنا باموت» فقال له أحد المخبرين «إحنا عايزينك تموت»


«حرام أنا باموت».. جملة لم يستطع لسان الشاب العشرينى النطق إلا بها، لكنها لم تشفع له عند «المخبرين» اللذين ردا عليه «إحنا عايزينك تموت».. 20 دقيقة متواصلة لم يتوقف فيها الضرب الهمجى.. 20 دقيقة كانت تكفى لأن ينقطع صوت الشاب.. فسقط مغشياً عليه، غارقاً فى دمائه وهو مهشم الوجه.. علامات الارتباك ظهرت على وجهى «المخبرين».. تمعنا النظر فيما فعلته أيديهما.. فالشاب تحول إلى كتلة لحمية مشوهة المعالم.. لم يعرفا ماذا يفعلان.. فأسرعا بوضع ضحيتهما داخل سيارة كانت بصحبتهما.. وهربا مسرعين من شارع «بوباستيس» بمنطقة «كليوباترا».. ثم عادا مرة ثانية بعد ساعتين، أى فى حوالى الواحدة والنصف صباحاً، برفقة عدد كبير من المخبرين وألقوا الجثة على قارعة الطريق وهربوا مرة أخرى.

ما سبق هو ملخص ما تعرض له الشاب خالد محمد سعيد، الذى تحولت جريمة قتله إلى واحدة من كبرى قضايا الرأى العام، وحظيت باهتمام واسع لدى وسائل الإعلام العالمية والمنظمات الدولية.

التفاصيل السابقة ليست تكهنات، أو مجرد اتهامات، لكنها حدثت فعلاً، وأكدها أشخاص كانوا شهود عيان على ما تعرض له خالد.. ورواها لـ«اليوم السابع» الشاهد الرئيسى فى القضية «حسن صباح» - 55 سنة - صاحب النت كافيه الذى شهد تفاصيل الواقعة كاملة، منذ لحظة دخول خالد النت كافيه حتى وفاته.. روى صباح شهادته قائلاً: «دخل المجنى عليه الكافيه فى حدود الساعة 11:30 مساء وطلب الجلوس على أحد أجهزة الكمبيوتر، ليمارس هوايته فى الاستماع للموسيقى»، وأضاف قائلاً: وفى الساعة 11:40 دخل شخصان إلى الكافيه وأعينهما تتفحص الشباب الموجودين به، وصرخ أحدهما قائلاً (اللى معاه بطاقة يطلعها) بينما اتجه الآخر نحو خالد وصفعه على وجهه، وتناوب الاثنان ضربه، الأمر الذى أصاب الجميع بالدهشة، وعلمنا أنهما مخبران من قسم شرطة «سيدى جابر».

توقف صاحب الكافية قليلاً واستكمل: «كانت عقارب الساعة تدق الثانية عشرة بينما المخبران يواصلان تعذيب الشاب خالد، فتحركت نحوهما لأمنع عنه الضربات التى يتلقاها، إلا أنهما هددانى بالتعدى علىَّ أيضاً، وأمام رفضى لمجزرة تتم داخل محلى حملا الشاب وهو فى حالة سيئة، وذهبا به إلى مدخل العقار المجاور، وواصلا ضربه عن طريق رطم رأسه بسلالم العقار الرخامية.

والتقط أحد العمال طرف الحديث قائلاً إن سبب الواقعة هو اعتياد المخبرين التابعين لقسم شرطة سيدى جابر التردد على الكافيه من وقت لآخر، لتحصيل «إتاوات» من شباب المنطقة، ومن يرفض فعقابه «الجرجرة على القسم وبهدلته لحد ما يبان له صاحب»، وهو ما حدث تلك المرة أيضاً لكن خالد رفض دفع «الإتاوة»، فاحتك به المخبران اللذان فشلا فى إرهابه، حتى حدث ما حدث.

ما قاله عامل «السايبر» يضعنا أمام 3 سيناريوهات تبرر مقتل خالد، الأول يدور حول «الإتاوات». والسيناريو الثانى، الأكثر شيوعاً، هو أن خالد كان يمتلك فيديو يظهر فيه ضباط قسم شرطة سيدى جابر وهم يتقاسمون حصيلة بيع كمية من المخدرات.. الفيديو موجود بالفعل على الإنترنت، لكن لم يثبت أن القتيل هو من بثه، وبسببه تعرض خالد لهذا الحادث بهدف «الانتقام»، السيناريو الثالث هو أن لخالد نشاطاً سياسياً معارضاً، لكنه سيناريو مستبعد، لأن خالد لم يشارك قبلاً فى أية مظاهرات، ولم يسبق اعتقاله، أو احتجازه على خلفية أى نشاط سياسى.

ربما يكون السبب الحقيقى وراء مقتل خالد هو أحد هذه السيناريوهات، وربما يكون أمراً آخر، لكن المؤكد، والواضح من صورته بعد الوفاة، أن طريقة القتل الوحشية دافعها «الانتقام» حتى إن كان السبب هو محاولته ردع المخبرين.

خالد هو أصغر الأبناء فى أسرة ميسورة الحال، أشقاؤه: يحيى، يعمل خارج مصر، وأحمد، وزهرة متزوجة ومقيمة بالقاهرة. أما والده المهندس محمد سعيد فتوفى منذ فترة، و«الحمد لله أنه مات قبل ما يشوف ابنه مقتول» كما تقول والدة خالد التى أضافت لـ«اليوم السابع»: «هافضل العمر كله حزينة عليه». والدة خالد تشبه أى أم مصرية.. الصدمة أكبر من حزنها، ولا تستوعب حتى الآن أنها فقدت ابنها الصغير.

فى غرفته جلست الأم لأول مرة بعد فراقه.. حجرة خالد تحتوى على أساس بسيط: سرير ودولاب، بينما ازدانت الجدران بآيات قرآنية.. اختنق صوتها وهى تنظر إلى تلك الآيات نافيةً ما أشيع عن أن ابنها سيئ السلوك، فيما لا يفارق المصحف غرفته.

بعد أن استجمعت قواها استرجعت الأم ذكريات الواقعة الأليمة، وأزاحت الستار عن عدة مفاجآت، فأبرزت شهادة الخدمة العسكرية لـ«اليوم السابع» مؤكدة أن نجلها أدى الخدمة عام 2002 تحت رقم 22157 وهو ما يؤكد كذب الداخلية بأنه متهرب من أداء الخدمة العسكرية.
الأم المكلومة على ابنها أبرزت شهادة أخرى للسجل الضريبى الخاص بخالد، وتحمل رقم 303/352/345 ما يعنى أنه كان يدير شركة للاستيراد والتصدير، وأنه ليس عاطلاً عن العمل حسبما أشيع.

وبسؤالها عن يوم الحادث اختنق صوتها، وقالت: «خالد كان برفقة أحد أصدقائه فى الشقة وطلب منى تجهيز العشاء، وبعد أن انتهيت من ذلك خرجت لزيارة أحد أقاربنا، ولم أعلم وقتها أنها المرة الأخيرة التى ستجمعنا، ارتديت ملابسى وودعته وابتسامته لا تفارق عقلى إلى الآن، ثم عدت إلى الشقة بعد ساعة فاكتشفت عدم وجودهما، وتوقعت أن يكون ذهب مع صديقه للتنزه، لكن غيابه طال وبدأ الشك يتسلل إلى قلبى، وقطع حيرتى جرس الباب، وأبلغنى أحد الجيران بأن مخبرين من القسم تعدوا عليه بالضرب فى كافيه نت على بعد أمتار من منزلنا».

حاولت والدة خالد أن تصف حالتها، حين جاءها الخبر، بأن لحظات من الارتباك سيطرت عليها، فيما أصيب عقلها بالشلل، فتوجهت سريعاً إلى الكافيه، وعلمت أن المخبرين قتلا خالد وتم نقله إلى المشرحة، وعلى الفور ذهبت إليها لتجد وجهه مهشماً، لدرجة أنها لم تتمكن من التعرف عليه فى البداية.

«هادى، ومؤدب، وفى حاله».. «ابن ناس، وعمره ما عمل مشاكل مع أى حد»، كلما ذكرنا اسم «خالد سعيد» أمام أى شخص من أهالى شارع سيف اليزل بكليوباترا كان يبادرنا بواحدة من الجملتين السابقتين.. خالد اشتهر بين أهالى منطقته بحسن الأخلاق، وأهم ما يميزه أنه «فى حاله»، ولم يحدث أن «اتخانق» مع جار أو صديق، وكل من التقيناه أصر على أن يحدثنا عن أخلاق خالد.. ومنهم مصطفى شكرى المقيم بالمنطقة منذ 25 سنة.. قال شكرى: «أنا أعرف خالد من وهو فى ابتدائى، طول عمره فى حاله، واللى بيميزه إنه هادى جداً ما تسمعلوش صوت، لو بينزل من بيته يبقى عشان يشترى حاجة من السوبر ماركت، أو يطلع البحر يصطاد سمك، إخواته وأبوه المهندس الله يرحمه معروفين فى المنطقة بإنهم ناس محترمين».. شكرى لم يشاهد الحادث، لكنه فوجئ به «زى كل الجيران» والصدمة الأكبر، بحسب تعبيره، ما قيل عن أن خالد معروف بالاتجار فى المخدرات، وهو ما وصفه شكرى بـ«الكذب».

لم يختلف ما قاله شكرى عما ذكره باقى أهالى المنطقة، بواب العمارة، أصحاب محال السوبر ماركت، الجيران، كلهم أجمعوا على الإشادة بأخلاقه، بمن فيهم ياسين زهران، أحد أصدقائه المقربين منذ سنوات طويلة.. قال ياسين: «خالد معروف بين أصحابنا بهدوئه، وأدبه، ودايماً بنعتبره العاقل بتاعنا، عمره ما شرب مخدرات من أى نوع، وحتى السجاير كان بيحاول يبطلها نهائياً قبل الحادثة».

جبهة قانونية، تضم مجموعة من المحامين، أعلنت تضامنها مع أسرة خالد، ويقودها المحامى محمد التونسى، مدير مؤسسة «المساعدة القانونية».. الجبهة تركز جهودها حالياً على جمع كل الأدلة لإثبات إدانة المخبرين اللذين قتلا خالد، أولى الخطوات كانت بتقديم بلاغ للنيابة يوجه اتهاماً للمخبرين بالمسؤولية عن قتله عمداً. وبرر التونسى توصيف الجريمة بـ«القتل العمد» بدلاً من «ضرب أفضى إلى موت» قائلاً: ما حدث هو قتل عمد، لأن خالد وهو بيطلع فى الروح ترجى قتلته قائلاً: «خلاص كفاية أنا بموت»، فصرخ فى وجهه أحد المخبرين قائلاً: «إحنا بقى عايزين نموتك». وأضاف التونسى: «يعنى كانوا عارفين إنه بيموت ورغم ده رفضوا يرحموه أو حتى يخففوا حدة الضرب» وأضاف: «لدرجة أنهم استمروا فى ضربه وهو ميت، لحد ما أحد المارة تشجع وقالهم حرام عليكم بتضربوا فى واحد ميت، إلا أنهم لم ينصتوا له واستمروا فى ضربه».

وأشار التونسى إلى أن جبهته تستعد لرفع دعوى بالحق المدنى ضد وزير الداخلية بصفته، لمطالبة وزارته بتعويض مالى لأسرة الشاب لما أصابها من أضرار نتيجة مقتل ابنها، وبصفته الوزير المسؤول عن أعمال وتصرفات تابعيه.

وأكد التونسى أن اتهامات الداخلية لخالد لا أساس لها من الصحة مطلقاً، مشيراً إلى أن التقرير الرسمى للطب الشرعى من المنتظر صدوره غداً الأربعاء. معتبراً قصة ابتلاعه لفافة بانجو «غير واقعية ولا يمكن تصديقها».

فضيحة مقتل خالد وصل صداها إلى رئاسة الجمهورية، وأكد مصدر مسؤول بالمجلس القومى لحقوق الإنسان أنهم تلقوا أوامر من مسؤول رفيع بالرئاسة طالبهم بمتابعة سير التحقيقات لكشف الحقيقة. خاصة أن الحادث تواكب مع عرض تقرير حالة حقوق الإنسان فى مصر أمام المجلس الدولى لحقوق الإنسان بجنيف. وهو ما دفع المجلس، بحسب المصدر، إلى إرسال المحاميين أحمد جميل وخالد معروف إلى الإسكندرية للتحقيق فى الواقعة، وزيارة أسرة القتيل، وإبلاغهم باهتمام المجلس بما تعرض له فقيدهم الشاب.






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة