مجد خلف تكتب: لن تفيدنا المعرفة

الخميس، 17 يونيو 2010 05:14 م
مجد خلف تكتب: لن تفيدنا المعرفة

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كنا نتحدث أنا وبعض أقرباء لى جاءوا من سورية لقضاء إجازتهم فى مصر، فتطرقنا إلى الحديث عن الأوضاع السياسية والاجتماعية والثقافية وترديها الذى فاق المعقول وذهلت به العقول، وسألنى أحدهم باعتبار أنى أعيش فى مصر عن قبول أهلها بهذ الوضع، على الرغم من مساحة الحرية والمعرفة بأوضاع البلد إلى حد كبير والتى أتيحت لهم عن طريق معلومات توفرها لهم بعض الصحف وخاصة الصحف المعارضة ، وماذا أفادوا من معرفتهم بهذه المصائب التى يقرأون عنها كل يوم بل كل ساعة؟ ولا تكاد تخلو صحيفة أو مجلة وحتى بعض برامج التليفزيون، سواء كانت تبث على المحطات الأرضية أو الفضائية من سرد وقائع وأحداث سواء سياسية أو اجتماعية أو ثقافية ، يؤسف لها مما يجعلنا نحزن على حال الشقيقة الكبرى مصر وأهلها الطيبين الذين غيرتهم ظروفهم ومعرفتهم إلى ما أصبحوا عليه الآن ، الحقيقة احترت فى الجواب فنحن فى سورية لا نمتلك هذا العدد الرهيب من الصحف الرسمية أو غيرها ، ولا نعرف هذا الكم الهائل من المعلومات حول قضايا الفساد والرشوة والتزوير وكثرة الجرائم وازدياد حالات خطف الأولاد وتفشى اغتصاب الفتيات هذا عدا عن نشر وقائع بيع ثروات مصر ومصادر طاقاتها إلى أعدائها والسكوت عن سرقة مياه النيل جهارا نهارا، ورغم الكم الهائل من المعلومات التى عرفناها فى مصر عن نهب مياه النيل والتحكم فى منابعه وإقصاء مصر عن الاتفاقية التى اقتطعت فيها ثمانية عشر مليار متر مكعب من مياه النيل وكأن مصر لاتقع على ضفاف النيل بل كأنها لا حق لها أن تعترض ولماذا تعترض ؟ ألم يكفها أنها عرفت ؟ أولا تكفى المعرفة ؟ وهل تفيد المعرفة ؟ فى مصر للأسف الشديد المعرفة قد أصبحت تضر ولا تنفع أحدا ، لقد عرف وقرأ كل المصريين عن قضية نهب مياه النيل وماذا بعد المعرفة ؟ إن معرفتهم بهذه السرقة العلنية لمياه النيل أصابت كل المصريين بالإحساس بعجز كامل لاقتراب شبح الموت البطئ من شعب مصر بالموت عطشا جراء إصابتهم بجفاف الزرع والضرع والعروق وكل ماهو حى وهل يستطيع كائن أن يحيا دون ماء؟

ولنعد إلى السؤال الذى أصابنى بالحيرة ، ماذا أفاد المصريين من معرفة كل هذه المصائب والنوائب ؟ هل استطاعوا تفاديها أو اجتنابها أو حتى مجرد التفكير فى محاكمة كل من سولت له نفسه أن يتعاون مع أعداء مصر ؟ فى الحقيقة إن ما يحدث فى بر مصر كما يحلو للبعض القول ، يحدث فى معظم البلاد العربية وإن اختلفت أنواع الجرائم والفساد والسرقات والموبقات وما خفى من المصائب والابتلاءات والنكبات ، التى تختلف فى أشكالها وأنواعها حسب التوزع الجغرافى والقرب من مصر أو البعد عن مصر ، وأحيانا حسب التفاوت فى تعداد السكان ، أو الاختلاف الديموغرافى أو زيادة عدد الإناث عن الذكور. والأسباب كثيرة لا مجال لسردها الآن ،ولكن الفرق حسب اعتقادى أن كثرة إطلاع الناس فى مصر على هذه البلاوى أضرهم ولم يفدهم، ففى سورية يصل عدد إصدارات الصحف ربما إلى عدد أصابع اليد الواحدة ، وتخلو أساسا من أى صحف للمعارضة ، ولذلك لا يزال هناك بعض الاطمئنان والأمان لدى الناس ولا زالوا يتحلون ببعض الأمل ، وقديما كان يقال يقاس عقل الرجل بما يملك من علم ومعرفة ، أما الآن فهذا المفهوم لا ينطبق علينا الآن بتاتا ، فأنا أجزم أن الإنسان فى عصرنا ومصرنا وعالمنا العربى يزداد ألمه وخوفه وعجزه ويأسه كلما علم وعرف ، وقد يصاب بالجنون من كثرة معرفته بالأخبار الكئيبة المؤسفة التى تقصف الظهر و تقصر العمر ، والحقيقة المؤكدة أن ازدياد المعرفة إذا تبعه أو صحبه إحساس بالعجز والفشل فى الاستفادة مما نعرف كى نتغير أو ينصلح حالنا أو حتى مجرد الأمل فى محاولة إبقاء الحال على ما هو عليه من الاستقرار السلبى ، وعدم مفاجأتنا بمعرفة المزيد والمزيد من سوآتنا وقبح حال مجتمعاتنا وفساد أخلاق الناس وفساد ذمم أولياء الأمور فى البيوت والمدارس والمصانع والمستشفيات والوزارات والمحاكم والمناصب العليا ، أما أن تسير الأمور من سيئ إلى أسوأ بالرغم من علمنا ومعرفتنا كما هو حالنا منذ أكثر من ثلاثين عاما أو يزيد ؛ فإن عدم العلم وافتقاد المعرفة أحسن ، وقد يعترض البعض على ذلك ويقول بل المعرفة أحسن من الجهل وأقول لكل هؤلاء ما حفظناه من حكمة بالغة يعرفها كل العرب على حد سواء:

إن كنت تدرى فتلك مصيبة وإن كنت لا تدرى فالمصيبة أعظم
وأطالبهم بتغيير مكان اللاءات كى يصبح البيت:
إن كنت لا تدرى فتلك مصيبة وإن كنت تدرى فالمصيبة أعظم
أرجوكم لا نريد أن ندرى فنحن لا نستطيع أن نفعل بما ندرى شيئا أريحونا من المعرفة احجبوا عنا المعلومات والوقائع والأحداث المؤسفة التى تزيد وجع قلوبنا وأكبادنا وعقولنا ! يكفينا غما ونكدا وأسفا ، وإلى أن نتغير ونغير من أنفسنا وتتغير أحوالنا ومجتمعاتنا وحكامنا وولاة أمورنا ستبقى معرفتنا غير مفيدة ولا مثمرة وسنبقى مترقبين المصيبة تلوالأخرى حتى يجف النيل فى مصر ويجف الفرات فى سورية ويجف دجلة فى العراق ونرى إسرائيل قد امتدت وحققت ما تصبو إليه فى شعارها المكتوب على حائط الكنيست فى تحقيق حلمها الاستراتيجى من النيل إلى الفرات ومن المؤكد أننا إذا لم نبدأ التغيير فورا جادين سنرى كل ما سبق ذكره قد تحقق ، وأكاد أجزم أن كل الشعوب العربية ما لم يتم فيها تغير النفوس وتغير الأحوال وتغير ولاة الأمور وتحسن الأوضاع ، ستقول : يا أهل الإعلام نتوسل إليكم ، أنقلوا لنا فقط الأخبار التى تفرحنا ، حتى إن قلت وندرت ، ابحثوا عنها وأعلمونا بها ولا تعلمونا بغيرها ، أفرحونا قليلا قبل أن نموت كمدا وحزنا وقهرا ، بالله عليكم ألا يكفينا أننا سنموت قريبا عطشا؟.
سورية مقيمة فى مصر





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة