ثلاث قضايا أصبحت سمات لصيقة بالمجتمع المصرى منذ عقد السبعينيات تقريبا.. ثلاث قضايا أصبحت تشغل الرأى العام.. المفكرين والمحللين.. التقارير والدراسات الدولية والمنظمات الحقوقية ومؤسسات المجتمع المدنى.. قضايا سادت وانتشرت بين فئات وطبقات المجتمع المصرى.. وأحدثت تغيراً جوهرياً فى بنيته القيمية والخلقية لشعبه.. غيرت من طبيعة الشخصية المصرية كاستجابة عكسية لتغير الرؤى المادية والاقتصادية محلياً وعالمياً..
الفقر.. الاستهلاك.. الكوارث.. قضايا كبرى تمثل إشكالية عميقة بالنسبة للعملية التنموية فى المجتمع المصرى.. ولكن.. أرى أن هناك علاقة ما تربط بين ظاهرة الفقر.. وظاهرة الاستهلاك.. وظاهرة الكوارث.. فعلى الرغم من انتشار الفقر فى مصر.. وذلك حسبما تشير إليه التقارير الدولية أن هناك 14 مليون مصرى يعيشون تحت خط الفقر و4 ملايين لا يجدون قوت يومهم.. وأن مصر تحتل المركز 111 بين دول العالم الأكثر فقراً.. وهو ما يعتبر كارثة فى حد ذاته.. إلا أننا نلاحظ شواهد مؤكدة على نمو ثقافة الاستهلاك.. تزايد الشره الاستهلاكى للسلع والمنتجات التى تتفنن القنوات الأرضية والفضائية فى الإعلان عنها والترويج لمنتجات الشركات العالمية التى تحاول نشر ثقافة استهلاكية معينة حتى تعمل على زيادة نسبتها الربحية وترسيخ مكانتها فى السوق العالمية فى ظل آليات العولمة السائدة حالياً، والتى تعمل على تقوية النزعة الاستهلاكية لدى شعوب العالم..
يعتبر الفقر ظاهرة عالمية.. وكذلك الاستهلاك.. الفئات الفقيرة والمتوسطة وخاصة الشباب تسعى للخروج من دائرة الفقر والترقى فى السلم الاجتماعى.. وقد يتم ذلك من خلال تبنيهم ممارسات غير مشروعة.. كبيع الأعضاء البشرية.. الاتجار بالبشر (بيع الأطفال.. عمالة الأطفال.. زواج الفتيات صغيرات السن من أجانب).. وذلك من أجل جلب المال والحصول على سلع وخدمات قد تدخل ضمن دائرة الكماليات.. كالإنفاق على مكالمات التليفون المحمول.. ارتياد محلات الكوفى شوبز واستخدام الإنترنت للشات والألعاب. ارتياد المولات التجارية الكبرى بغرض الشراء أو لمجرد التنزه ومشاهدة الحديث من الأزياء والأشياء.. الخ
ومن هنا يتضح العلاقة المطردة بين ظاهرة الفقر والاستهلاك والكوارث.. فالفقر قد يدفع ببعض الأشخاص إلى الخروج عما هو قانونى ومشروع وممارسة أعمال تضر بمصلحة المجتمع من أجل مصلحة شخص يريد إشباع رغباته الاستهلاكية التى لا تقف عند حد يرضى به.. والمشكلة هنا ان المادة أصبحت تحتل المقام الأول.. وهنا تقع الكارثة..
لا أحد ينكر أن المجتمع المصرى أصبح مجتمع فقرى.. يفتقر لأشياء كثيرة.. فهو يفتقر للوعى والمعرفة ومواكبة عصر المعلوماتية واقتصاد الخدمات وخلق المنافسة فى السوق العالمية.. يفتقر لتغذية عقله بالقراءة والتثقف ومعرفة ما هو جديد.. فحسبما تشير التقارير العالمية أن المواطن العربى بالكاد يقرأ ربع كتاب.. فى حين أن المواطن الإنجليزى يقرأ تسع كتب سنويا والأمريكى يقرأ 12 كتاب سنوياً.. وهنا تقع الكارثة.
المجتمع المصرى يفتقر للتعليم الجيد.. وخاصة بعد أن أصبحت العملية التعليمية خاضعة للمقاييس الربحية.. والدليل على ذلك خروج الجامعات المصرية من الترتيب العالمى لأفضل 500 جامعة على مستوى لعالم. إذ نجد أن خريجوا الجامعات قليلوا الثقافة والمعرفة حتى بالنسبة للمواد التى اجتازوا اختبارتها بالجامعة.. وهنا تقع الكارثة.
المجتمع المصرى يفتقر للوعى الجيد للحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية والممتلكات العامة.. حيث نشهد كثير من عمليات التخريب وأساءة استخدام وإهمال صيانة.. وهو ما ينتج عنه كوارث.. مثل ما حدث فى حادثة حريق قطار الصعيد 2002.. وحادثة حريق مجلس الشورى 2008.. والحوادث الأخرى للقطارات والعبارات التى نتجت بالتأكيد عن سوء الاستخدام وإهمال صيانة. وهنا تقع الكارثة.
المجتمع المصرى يفتقر للرؤى الانفتاحية وتقبل الرأى الأخر دون تعصب أو تشدد.. يفتقر القيم الخلقى والدينى المتزن الذى يمكنه من مواجهة التيارات الوافدة عليه بعقلانية.. يفتقر قوة الحفاظ على شخصيته الثقافية والفكرية.. يفتقر معنى الحفاظ على النفس الإ نسانية وصيانة كرامتها وحقوقها المدنية التى تقرها المواثيق العالمية.. يفتقر التقييم الجيد للذات البشرية من حيث توفير الرعاية الصحية والوقاية من الأوبئة والأمراض المنتشرة.. كأمراض الكلى الناتجة عن تلوث مياه الشرب والتلوث البيئى.. والأمراض السراطانية الناتجة عن استخدام المبيدات المسيطرة.. وهنا تقع كوارث وليس كارثة واحدة..
وبناء عليه.. يتبين أن هناك حلقة متصلة العلاقات والروابط بين الفقر والاستهلاك وحدوث الكوارث فى المجتمع المصري.
والسؤال الذى يلح على هنا.. هل هناك أمل فى إنقاذ المجتمع المجتمع المصرى من كل هذه الكوارث.. بالتأكيد هناك شواهد إيجابية على وجود عمليات للتنمية والتحديث.. ولكن وجود مثل هذه المشاكل أو الكوارث يمكن أن تمثل عوائق حادة لسير عملية التنمية والتحديث..
