1980 عامى الأول فى جامعة القاهرة، جئت من المحلة الكبرى ذات التراث السياسى الليبرالى والعمالى ببعض الأفكار اليسارية، لأجد نفسى وجها لوجه مع اليمين الدينى ممثلا فى الإخوان المسلمين والجماعة الإسلامية والجهاد مرة واحدة، فبدأت تجربة جديدة ومختلفة تستحق التذكر والكتابة.
فى مبنى الرعايا الاجتماعية التابع للمدينة الجامعية لجامعة القاهرة حطيت رحالى، مع آلاف من الطلاب من كل أرجاء مصر، وبعض المبعوثين العرب والأجانب، باختصار بدت المدينة الجامعية وكأنها صندوق الدنيا، بداخله كل الثقافات المحلية لمن يريد.. وبعد أقل من شهر توجهت مع أربعة زملاء لمطعم المدينة الجامعية فوجدنا الطلاب الإسلاميين يسدون الأبواب، ودار هذا الحوار:
إسلامى: على فين يا أخى؟
أنا: على المطعم
لا يا أخى إحنا إضراب إن شاء الله
لماذا يا أخى
لأننا نريد إعادة فتح الفتحة الموجودة فى الجدار والتى كنا ندخل ونخرج منها بدلا من البوابة الرئيسية
إنشاء الله مش معاكم
هكذا انتهى أول حوار مع الزملاء الإسلاميين بدخولنا مطعم المدينة الجامعية، خمسة طلاب فقط من بين آلاف آخرين تحدوا قرار الإضراب وقوبلنا داخل المطعم بحفاوة بالغة، كان كل طالب يأخذ ربع دجاجة فى الغذاء فأنعم المشرفون على المدينة على كل منا بدجاجة كاملة كمكافأة على عدم الاشتراك فى إضراب الطلاب الإسلاميين، وهذه كانت أفضل طريقة من الإدارة للتعامل مع الإضراب والمضربين ومعارضى الإضراب.
فى الثمانينات وفى المدينة الجامعية أيضا كان الإسلاميون بكافة فصائلهم هم التنظيم الطلابى الأقوى داخل الجامعة، وشاء حظى الإقامة فى غرفة مجاورة للأخ ناصر، الذى أصر لمدة عام كامل على تجنيدى ولا أعرف السبب، ناصر كان طالبا فى كلية الآداب وفى نفس الوقت هو أمير الدور وأمير المبنى الذى نقطن به بالمدينة الجامعية.
كانت الحركات الإسلامية منظمة بشكل يستدعى الانتباه، هناك أمير لكل فرقة فى الكلية الواحدة ثم أمير للكلية وأمير للجامعة، وفى المدينة الجامعية أمير لكل دور وكل مبنى وأمير للمدينة الجامعية.. أما أميرى الذى لم أعترف يوما بإمارته الأخ ناصر فقد ظل يلح على لحضور الندوات الدينية داخل المدينة، والجامعة ولما يأس منى انقطع الاتصال بنهاية العام الدراسى.
فى العام الدراسى التالى كان الرئيس الراحل أنور السادات قد لقى مصرعه قبل بدء الدراسة، وتلقت إدارة الجامعة تعليمات بعدم تسكين الطلاب الإسلاميين فى المدن الجامعية، لكن الغريب أن الأخ الأمير ناصر كان فى المدينة فى العام التالى، بينما صديق ماركسى شيوعى تروتسكى رفض المشاركة فى إضراب فتح السور تم استبعاده من المدينة الجامعية، وحين استدعوه فى أمن الدولة أخبروه أن سبب الاستبعاد هو أنه عضو بجماعة دينية!
انتهت سنوات الدراسة الجامعية، وفشلت بالعمل كمعيد فى أى جامعة مصرية بسبب التقارير الأمنية التى كانت تلاحقنى فى كل مكان، باعتبارى ناشطا سياسيا شارك فى مظاهرات الطلبة عام 1984 للمطالبة بإلغاء الحرس الجامعى ولائحة الاتحادات الطلابية الصادرة فى عام 1979 والعودة للائحة 1976 .
وخلال زيارة لبعض الأصدقاء فى كلية الآداب جامعة القاهرة فوجئت بالأمير السابق الأخ ناصر معيدا بالكلية.. بينما كلمة ناشط سياسى ظلت تلاحقنى حتى حين عملت صحفيا لدرجة أنه فى سنواتى الأولى فى الصحافة كان مقدرا أن أنتظر فى المطار كلما عدت لمصر من رحلة خارجية لأن الكمبيوتر كان يتلون باللون الأحمر كلموا أدخل اسمى لتظهر كلمة مطلوب فورا.. حتى انفتحت الدنيا بعد ذلك وتم تحديث البيانات.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة